استغرقوا أعمارهم فِي سماع الحديث والرحلة فيه وجمع الطرق الكثيرة وطلب الأسانيد العالية والمتون الغريبة (النوع الثاني)
اللفظ / العبارة'
استغرقوا أعمارهم فِي سماع الحديث والرحلة فيه وجمع الطرق الكثيرة وطلب الأسانيد العالية والمتون الغريبة (النوع الثاني)
متعلق اللفظ
مسائل حديثية
الحكم الشرعي
لا يجوز
القسم
المناهي العملية
Content
فأما فِي هَذَا الزمان فَإِن طرق الحديث طالت والتصانيف فيه اتسعت وما فِي هَذَا الْكِتَاب فِي تلك الكتب وإنما الطرق تختلف فقل أن يمكن أحدا أن يجمع بين الأمرين فترى المحدث يكتب ويسمع خمسين سنة ويجمع الكتب ولا يدري مَا فيها ولو وقعت لَهُ حادثة فِي صلاته لافتقر إِلَى بعض أحداث المتفقهة الذين يترددون إليه لسماع الحديث مِنْهُ وبهؤلاء تمكن الطاعنون عَلَى المحدثين فقالوا زوامل أسفار لا يدرون مَا معهم فان أفلح أحدهم ونظر فِي حديثه فربما عمل بحديث منسوخ وربما فهم من الحديث مَا يفهم العامي الجاهل وعمل بذلك وليس بالمراد من الحديث كَمَا روينا أن بعض المحدثين روي عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى أن يسقى الرَّجُل ماءه زرع غيره فَقَالَ جماعة ممن حضر قد كنا إذا فضل عنا ماء فِي بساتيننا سرحناه إِلَى جيراننا ونحن نستغفر اللَّه فما فهم القارىء ولا السامع ولا شعروا أن المراد وطء الحبالى من السبايا
قال الخطابي وكان بعض مشايخنا يروي الحديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عَن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة بإسكان اللام .
قوم أكثروا سماع الحديث ولم يكن مقصودهم صحيحا ولا أرادوا معرفة الصحيح من غيره بجمع الطرق وإنما كان مرادهم العوالي والغرائب فطافوا البلدان ليقول أحدهم لقيت فلانا ولي من الأسانيد مَا ليس لغيري وعندي أحاديث ليست عند غيري وَقَدْ كان دخل إلينا إِلَى بغداد بعض طلبة الحديث وكان يأخذ الشيخ فيقعده فِي الرقة وهي البستان الذي على شاطيء دجلة فيقرأ عَلَيْهِ ويقول فِي مجموعاته حَدَّثَنِي فلان وفلان بالزقة ويوهم الناس أنها البلدة التي بناحية الشام ليظنوا أنه قد تعب فِي الأسفار لطلب الحديث وكان يقعد الشيخ بين نهر عِيسَى والفرات ويقول حَدَّثَنِي فلان من وراء النهر يوهم أنه قد عبر خراسان فِي طلب الحديث وكان يَقُول حَدَّثَنِي فلان فِي رحلتي الثانية والثالثة ليعلم الناس قدر تعبه فِي طلب الحديث فما بورك لَهُ ومات فِي زمان الطلب.
قَالَ المصنف: وهذا كله من الإخلاص بمعزل وإنما مقصودهم الرساة والمباهاة ولذلك يتبعون شاذ الحديث وغريبه وربما ظفر أحدهم بجزء فيه سماع أخيه المسلم فأخفاه ليتفرد هو بالرواية وَقَدْ يموت هو ولا يرويه فيفوت الشخصين وربما رحل أحدهم إِلَى شيخ أول اسمه قاف أَوْ كاف ليكتب ذلك فِي مشيخته فحسب.
ومن تلبيس إبليس عَلَى أصحاب الحديث قدح بعضهم فِي بعض طلبا للتشفي ويخرجون ذلك مخرج الجرح والتعديل الذي استعمله قدماء هذه الأمة للذب عَن الشرع وَاللَّه أعلم بالمقاصد ودليل مقصد خبث هؤلاء سكوتهم عمن أخذوا عنه وما كان القدماء هكذا فقد كان عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ يحدث عَنْ أبيه وكان ضعيفا ثم يَقُول وفي حديث الشيخ مَا فيه أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب العامري نا أَبُو سَعِيد بْن أبي صَادِق نا أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن باكويه ثنا بَكْر أن ابْن أَحْمَد الجيلي قَالَ سمعت يوسف بْن الْحُسَيْن يَقُول سألت حارثا المحاسبي عَن الغيبة فَقَالَ احذرها فإنها شر مكتسب وما ظنك بشيء يسلبك حسناتك فيرضى به خصماءك ومن تبغضه فِي الدنيا كيف ترضى به خصمك يوم القيامة يأخذ من حسناتك أَوْ تأخذ من سيئاته إذ ليس هناك درهم ولا دِينَار فاحذرها وتعرف منبعها فان منبع غيبة الهمج والجهال من إشفاء الغيظ والحمية والحسد وسوء الظن وتلك مكشوفة غير خفية وأما غيبة العلماء فمنبعها من خدعة النفس عَلَى إبداء النصيحة وتأويل مالا يصح من الخبر ولو صح مَا كان عونا عَلَى الغيبة وَهُوَ قوله أترغبون عَنْ ذكره اذكروه بما فيه ليحذره الناس ولو كان الخبر محفوظا صحيحا .