وَقَدْ لبس إبليس عليهم فِي الدخول عَلَى السلطان فيقول إنما ندخل لنشفع فِي مسلم وينكشف هَذَا التلبيس بأنه لو دخل غيره يشفع لما أعجبه ذلك وربما قدح فِي ذلك الشخص لتفرده بالسلطان ومن تلبيس إبليس عَلَيْهِ فِي أخذ أموالهم فيقول لك فيها حق ومعلوم أنها إن كانت من حرام لم يحل لَهُ منها شيء وان كانت من شبهة فتركها أولى وان كانت من مباح جاز لَهُ الأخد بمقدار مكانه من الدين لا عَلَى وجه اتفاقه فِي إقامة الرعونة وربما اقتدى العوام بظاهر فعله واستباحوا مالا يستباح.
وقد لبس إبليس عَلَى قوم من العلماء ينقطعون عَلَى السلطان إقبالا عَلَى التعبد والدين فيزين لهم غيبة من يدخل عَلَى السلطان من العلماء فيجمع لهم آفتين غيبة الناس ومدح النفس وفي الجملة فالدخول عَلَى السلاطين خطر عظيم لأن النية قد تحسن فِي أول الدخول ثم تتغير بإكرامهم وإنعامهم أو بالطمع فيهم ولا يتماسك عَنْ مداهنتهم وترك الإنكار عليهم وقد كان سفيان الثوري رَضِيَ اللَّهُ عنه يَقُول مَا أخاف من إهانتهم لي إنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم وَقَدْ كان علماء السلف يبعدون عَن الأمراء لما يظهر من جورهم فتطلبهم الأمراء لحاجتهم اليهم فِي الفتاوي والولايات فنشأ أقوام قويت رغبتهم فِي الدنيا فتعلموا العلوم التي تصلح للأمراء وحملوها إليهم لينالوا من دنياهم ويدلك عَلَى أنهم قصدوا بالعلوم أن الأمراء كانوا قديما يميلون إِلَى سماع الحجج فِي الأصول فأظهر الناس علم الكلام ثم مال بعض الأمراء إِلَى المناظرة في الفقه فمالالناس إِلَى الجدل ثم بعض الأمراء إِلَى المواعظ فمال خلق كثير من المتعلمين إليها ولما كان جمهور العوام يميلون إِلَى القصص كثر القصاص وقل الفقهاء.