قال المصنف النكاح مَعَ خوف العنت واجب ومن غير خوف العنت سنة مؤكدة عند جمهور الفقهاء ومذهب أبي حنيفة واحمد ابْن حنبل انه حينئذ أفضل من جميع النوافل لأنه سبب فِي وجود الولد قَالَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام:"تناكحوا تناسلوا" وقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "النكاح من سنتي فمن رغب عَنْ سنتي فليس مني".
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي طاهر نا الْجَوْهَرِيّ نا أَبُو عُمَر بْن حياة نا أَحْمَد بْن معروف ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفهم ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْد نا سُلَيْمَان بْن داود الطيالسي نا إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ الزهري عَنْ سَعِيد بْن المسيب عَنْ سَعْد بْن أبي وقاص قَالَ لَقَدْ رَدَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذَّنَ لَهُ فِي ذَلِكَ لاخْتَصَيْنَا قال ابْن سَعْد وأَخْبَرَنَا ابْن عفان نا حماد بْن سلمة عَنْ ثابت عَنْ أنس بْن مالك أن نفرا من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سألوا أزواج النبي عَلَيْهِ السلام عَنْ عمله فِي السر فأخبروهم فَقَالَ بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام الليل عَلَى فراش وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فحمد اللَّه النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام وأثنى عَلَيْهِ ثم قَالَ:"ما بال أقوم قَالُوا كَذَا وَكَذَا لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فمن رغب عَنْ سنتي فليس مِنِّي" قَالَ ابْن سَعْد وأَخْبَرَنَا سَعِيد بْن منصور نا أَبُو عوانة عَنْ عطاء بْن السايب عَنْ سَعِيد بْن عُبَيْد قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عنه إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ كَانَ أَكْثَرُهَا نِسَاءً قال ابن سَعْد وأَخْبَرَنَا أحمد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قيس ثنا ميذل عَنْ أبي رجاء الجزري عَنْ عثمان بن خالد بن مُحَمَّد بْن مسلم قَالَ قَالَ شداد بْن أوس زوجوني فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ لا أَلْقَى اللَّهَ عَزَبًا وأَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر ثنا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ ثني أَبِي ثنا عَبْدُ الرزاق نا مُحَمَّد بْن راشد عَنْ مكحول عَنْ رجل عَنْ أبي ذر قَالَ دخل عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل يقال لَهُ عكاف بْن بِشْر التميمي الهلالي فَقَالَ لَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يا عكاف هل لك من زوجة قَالَ لا قَالَ ولا جارية قَالَ لا قَالَ وَأَنْتَ مُوسِرٌ بِخَيْرٍ قَالَ وَأَنَا مُوسِرٌ قَالَ أَنْتَ إِذًا مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ لَوْ كُنْتَ مِنَ النَّصَارَى لَكُنْتُ مِنْ رُهْبَانِهِمْ إِنَّ سُنَّتَنَا النِّكَاحُ شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ فَمَا لِلشَّيَاطِينِ مِنْ سِلاحٍ أَبْلَغُ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ تَرْكِ النِّسَاءِ"أَخْبَرَنَا ابْن الحصين نا ابْنُ الْمُذْهِبِ نا أَحْمَد بْن جَعْفَر نا عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثني أَبِي ثني أيوب بْن النجار عَنْ طيب بْن مُحَمَّد عَنْ عطاء بْن أبي رباح عَنْ أبي هريرة قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثِي الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَرَجِّلاتُ مِنَ النِّسَاءِ الْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ وَالْمُتَبَتِّلِينَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا نَتَزَوَّجُ وَالْمُتَبَتِّلاتُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي يَقُلْنَ ذَلِكَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا عَبْد القادر بْن مُحَمَّد قَالَ نا أَبُو بَكْر الخياط نا أَبُو الفتح بْن أبي الفوارس نا أحمد بْن جَعْفَر الجيلي ثنا أحمد بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الخالق ثنا أَبُو بَكْر المروزي قَالَ سَمِعْتُ أبا عَبْد اللَّهِ أحمد بْن حنبل يَقُول ليس العزوبة من أمر الإسلام فِي شيء النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام تزوج أربع عشرة امرأة ومات عَنْ تسع ثم قَالَ لو كان بِشْر بْن الحارث تزوج كان قد تم أمره كله لو ترك الناس النكاح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا ولم يكن كذا وَقَدْ كان النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام يصبح وما عندهم شيء وكان يختار النكاح ويحث عَلَيْهِ وينهى عَنِ التبتل فمن رغب عَنْ فعل النبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام فهو عَلَى غير الحق ويعقوب عَلَيْهِ السلام فِي حزنه قد تزوج وولد لَهُ والنبي عَلَيْهِ الصلاة والسلام قَالَ حبب إلي النساء قلت فَإِن إبراهيم بْن آدم يحكى عنه بأنه قَالَ لروعة صاحب عيال فما قدرت أن أتم الحديث حتى صاح بي وقال وقعنا فِي بنيات الطريق أنظر عافاك اللَّه مَا كان عَلَيْهِ نبينا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ثم قَالَ لبكاء الصبي بين يدي أبيه يطلب مِنْهُ خبزا أفضل من كذا وكذا أنى يلحق المتعبد المتعزب المتزوج.
فصل: وقد لبس إبليس عَلَى كثير من الصوفية فمنعهم من النكاح فقدماؤهم تركوا ذلك تشاغلا بالتعبد ورأوا النكاح شاغلا عَنْ طاعة اللَّه عز وجل وهؤلاء وإن كانت بهم حاجة إِلَى النكاح أَوْ بهم نوع تشوق إليه فقد خاطروا بأبدانهم وأديانهم وإن لم يكن بهم حاجة إليه فأتتهم الفضيلة وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا يأتي أحدنا شهوته ويكون لَهُ فيها أجر قَالَ: "أرأيتم لو وضعها فِي حرام أكان عَلَيْهِ وزر" قالوا نعم قَالَ: "وكذلك إذا وضعها فِي الحلال كان لَهُ أجر" ثم قَالَ: "أفتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير" ومنهم من قَالَ النكاح يوجب النفقة والكسب صعب وهذه حجة للترفه عَنْ تعب الكسب وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"دِينَار أنفقته فِي سبيل اللَّه ودينار أنفقته فِي رقبة ودينار أنفقته فِي الصدقة ودينار أنفقته عَلَى عيالك أفضلها الدينار الذي أنفقته عَلَى عيالك"ومنهم من قَالَ النكاح يوجب الميل إِلَى الدنيا فروينا عَنْ أبي سُلَيْمَان الداراني أنه قَالَ إذا طلب الرَّجُل الحديث أَوْ سافر فِي طلب المعاش أَوْ تزوج فقد ركن إِلَى الدنيا.
قال المصنف رحمه اللَّه: قلت وهذا كله مخالف للشرع وَكَيْفَ لا يطلب الحديث والملائكة تضع أجنحتها لطلب العلم وَكَيْفَ لا يطلب المعاش وَقَدْ قَالَ عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عنه لأن أموت من سعي عَلَى رجلي أطلب كفاف وجهي أحب إلي من أن أموت غازيا فِي سبيل اللَّه وَكَيْفَ لا يتزوج وصاحب الشرع يَقُول: "تناكحوا تناسلوا" فما أرى هذه الأوضاع إلا عَلَى خلاف الشرع فأما جماعة من متأخري الصوفية فإنهم تركوا النكاح ليقال زاهد والعوام تعظم الصوفي إذا لم تكن لَهُ زوجة فيقولون مَا عرف امرأة قط فهذه رهبانية تخالف شرعنا قال أَبُو حامد ينبغي أن لا يشغل المريد نفسه بالتزويج فإنه يشغله عَنِ السلوك ويأنس بالزوجة ومن أنس بغير اللَّه شغل عَنِ اللَّه تعالى.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وإني لأعجب من كلامه أتراه مَا علم أن من قصد عفاف نفسه ووجود ولد أَوْ عفاف زوجته فإنه لم يخرج عَنْ جادة السلوك أَوْ يرى الأنس الطبيعي بالزوجة ينافي أنس القلوب بطاعة اللَّه تعالى وَاللَّه تعالى قد من على الخلق بقوله وجعل لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً وفي الحديث الصحيح عَنْ جابر رَضِيَ اللَّهُ عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك" وما كان بالذي ليدله عَلَى مَا يقطع أنسه بالله تعالى أترى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما كان ينبسط إِلَى نسائه ويسابق عائشة رضي اله عنها أكان خارجا عَنِ الأنس بالله هذه كلها جهالات بالعلم.
محاذير ترك النكاح واعلم أنه إذا دام ترك النكاح عَلَى شبان الصوفية أخرجهم إِلَى ثَلاثَة أنواع النوع الأَوَّل المرض بحبس الماء فَإِن المرء إذا طال احتقانه تصاعد إِلَى الدماغ مِنْهُ منيه قَالَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن زكريا الرازي أعرف قوما كانوا كثيري المنى فلما منعوا أنفسهم من الجماع لضرب من التفلسف بردت أبدانهم وعسرت حركاتهم ووقعت عليهم الكآبة بلا سبب وعرضت لهم أعراض الماليخوليا وقلت شهواتهم وهضمهم قَالَ ورأيت رجلا ترك الجماع ففقد شهوة الطعام وصار أن أكل القليل لم يستمره وتقايأه فلما عاد إِلَى عادته من الجماع سكنت عنه هذه الأعراض سريعا النوع الثاني الفرار إِلَى المتروك فَإِن منهم خلقا كثيرا صابروا عَلَى ترك الجماع فاجتمع الماء فأقلقوا جعوا فلامسوا النساء ولابسوا من الدنيا أضعاف مَا فروا مِنْهُ فكانوا كمن أطال الجوع ثم أكل مَا ترك فِي زمن الصبر النوع الثالث الانحراف إِلَى صحبة الصبيان فَإِن قوما منهم أيسوا أنفسهم من النكاح فأقلقهم مَا اجتمع عندهم فصاروا يرتاحون إِلَى صحبة المرد.
فصل وقد لبس عَلَى قوم منهم تزوجوا وقالوا أنا لا ننكح شهوة فَإِن أرادوا أن الأغلب فِي طلب النكاح إرادة السنة جاز وإن زعموا انه لا شهوة لهم فِي نفس النكاح فمحال ظاهر.
فصل: وقد حمل الجهل أقواما فجبوا أنفسهم وزعموا أنهم فعلوا ذلك حياء من اللَّه تعالى وهذه غاية الحماقة لأن اللَّه تعالى شرف الذكر عَلَى الأنثى بهذه الآلة وخلفها لتكون سببا للتناسل والذي يجب نفسه يَقُول بلسان الحال الصواب ضد هَذَا ثم قطعهم الآلة لا تزيل شهوة النكاح من النفس فما حصل لهم مقصودهم.