قال المصنف رحمه اللَّه: لما انقسم هؤلاء بين متكاسل عَنْ طلب العلم وبين ظان أن العلم هو مَا يقع فِي النفوس من ثمرات التعبد وسموا ذلك العلم العلم الباطن نهوا عَنِ التشاغل بالعلم الظاهر.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد القزاز نا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَلِيّ نا عَلِيّ بْن أبي علي البصري ثنا أَبُو إسحاق إبراهيم بْن أحمد بْن مُحَمَّد الطَّبَرِيّ قَالَ سمعت جَعْفَر الخلدي يَقُول لو تركني الصوفية لجئتكم بإسناد الدنيا لقد مضيت إِلَى عَبَّاس الدوري وأنا حدث فكتبت عنه مجلسا واحدا وخرجت من عنده فلقيني بعض من كنت أصحبه من الصوفية فَقَالَ إيش هَذَا معك فأريته إياه فَقَالَ ويحك تدع علم الخرق وتأخذ علم الورق ثم خرق الأوراق فدخل كلامه فِي قلبي فلم أعد إِلَى عَبَّاس.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وبلغني عَنْ أبي سَعِيد الكندي قَالَ كنت أنزل رباط الصوفية وأطلب الحديث فِي خفية بحيث لا يعلمون فسقطت الدواة يوما من كمي فَقَالَ لي بعض الصوفية أستر عورتك.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو القاسم هِبَة اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ الواسطي نا أَبُو بَكْر الخطيب نا أَبُو الفتح بْن أبي الفوارس نا الْحُسَيْن بْن أحمد الصفار قَالَ كان بيدي محبرة فَقَالَ لي الشبلي غيب سوادك عني يكفيني سواد قلبي.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق نا ابْنُ باكويه قَالَ سَمِعْتُ عَبْد اللَّهِ العزال المذكر قَالَ سَمِعْتُ عَلِيّ بْن مهدي يَقُول وقفت ببغداد عَلَى حلقة الشبلي فنظر إلي ومعي محبرة فأنشأ يَقُول:
تسربلت للحرب ثوب الغرق ... وجبت البلاد لوجد القلق
ففيك هتكت قناع الغوى١ ... وعنك نطقت لدى من نطق
إذا خاطبوني بعلم الورق ... برزت عليهم بعلم الخرق
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت من أكبر المعاندة لله عز وجل الصد عَنْ سبيل اللَّه وأوضح سبيل اللَّه العلم لأنه دليل عَلَى اللَّه وبيان لأحكام اللَّه وشرعه وإيضاح لما يحبه ويكرهه فالمنع مِنْهُ معاداة لله ولشرعه ولكن الناهين عَنْ ذلك مَا تفطنوا لما فعلوا أَخْبَرَنَا ابْن حبيب قَالَ نا ابْن أبي صَادِق نا ابْن باكويه قَالَ سمعت أبا عَبْد اللَّهِ بْن خفيف يَقُول اشتغلوا بتعلم العلم ولا يغرنكم كلام الصوفية فاني كنت أخبىء محبرتي فِي جيب مرقعتي والكاغد فِي حزة سراويلي وكنت أذهب خفية إِلَى أهل العلم فَإِذَا علموا بي خاصموني وقالوا لا تفلح ثم احتاجوا إلي بعد ذلك وَقَدْ كان الإمام أحمد بْن حنبل يرى المحابر بأيدي طلبة العلم فيقول هذه سرج الإسلام وكان هو يحمل المحبرة عَلَى كبر سنه فَقَالَ لَهُ رجل إِلَى متى با أبا عَبْد اللَّهِ فَقَالَ المحبرة إِلَى المقبرة وقال فِي قوله عَلَيْهِ الصلاة والسلام:"لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لا يَضَرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ"فَقَالَ أحمد إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم وقال أيضا إن لم يكن أصحاب الحديث الأبدال فمن يكون وقيل لَهُ أن رجلا قَالَ فِي أصحاب الحديث أنهم كانوا قوم سوء فَقَالَ أحمد هو زنديق وَقَدْ قَالَ الإمام الشافعي رحمه اللَّه إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلا من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال يوسف بْن أسباط بطلبة الحديث يدفع اللَّه البلاء عَنْ أهل الأَرْض.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور القزاز نا أَبُو بَكْر الخطيب ثنا عَبْدُ الْعَزِيز بْن عَلِيّ ثنا ابْنُ جهضم ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر ثنا أحمد بْن مُحَمَّد بْن مسروق قَالَ رأيت كأن القيامة قد قامت والخلق مجتمعون إذا نادى مناد الصلاة جامعة فاصطف الناس صفوفا فأتاني ملك فتأملته فَإِذَا بين عينيه مكتوب جبريل أمين اللَّه فقلت أين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مشغول بنصب الموائد لإخوانه الصوفية فقلت وأنا من الصوفية فَقِيلَ نعم ولكن شغلك كثرة الحديث.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: معاذ اللَّه أن ينكر جبريل التشاغل بالعلم وفي إسناد هذه الحكاية ابْن جهضم وكان كذابا ولعلها عمله وأما ابْن مسروق فأخبرني القزاز نا أَبُو بَكْر الخطيب حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن نصر قَالَ سمعت حمزة بْن يوسف قَالَ سمعت الدَّارَقُطْنِيّ يَقُول أَبُو العباس بْن مسروق ليس بالقوي يأتي بالمعضلات.