قال المصنف رحمه اللَّه: اعلم أن السلم يورث الخوف واحتقار النفس وطول الصمت وإذا اعتبرت علماء السلف رأيت الخوف غالبا عليهم والدعاوى بعيدة عنهم كَمَا قَالَ أَبُو بَكْر ليتني كنت شعره فِي صدر مؤمن وقال عُمَر عند موته الويل لعمر إن لم يغفر لَهُ وقال ابْن مسعود ليتني إذا مت لا أبعث وقالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عنها ليتني كنت نسيا منسيا وقال سفيان الثوري لحماد بْن سلمة عند الموت ترجو أن يغفر لمثلي.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: وإنما صدر مثل هَذَا عَنْ هؤلاء السادة لقوة علمهم بالله وقوة العلم به تورث الخوف والخشية قَالَ اللَّه عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أنا أعرفكم بالله وأشدكم لَهُ خشية"ولما بعد عَنِ العلم أقوام من الصوفية لاحظوا أعمالهم واتفق لبعضهم من اللطف مَا يشبه الكرامات فانبسطوا بالدعاوى.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر الْحَافِظ نا أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عَلِيّ السهلكي قَالَ سمعت أبا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الشيرازي يَقُول ثنا أَبُو بَكْر عُمَر بْن يمن ثنا أَبُو عُمَر الرهاوي ثنا أحمد بْن مُحَمَّد الجزري قَالَ سمعت أبا مُوسَى الدئيلي يَقُول سمعت أبا يَزِيد البسطامي يَقُول وددت أن قد قامت القيامة حتى أنصب خيمتي عَلَى جهنم فسأله رجل ولم ذاك يا أبا يَزِيد فَقَالَ إني أعلم أن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حبيب العامري نا أَبُو سَعْد بْن أبي صَادِق ثنا ابْنُ باكويه ناابراهيم بْن مُحَمَّد ني حسن بْن علوية ني طيفور بْن عِيسَى ني أَبُو مُوسَى الشبلي قَالَ سمعت أبا يَزِيد يَقُول إذا كان يوم القيامة وأدخل أهل الْجَنَّة الجنة وأهل النار النار فاسأله أن يدخلني النار فَقِيلَ لَهُ لم قَالَ حتى تعلم الخلائق أن بره ولطفه فِي النار مَعَ أوليائه.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: هَذَا الكلام من أقبح الأقوال لأنه يتضمن تحقير مَا عظم اللَّه عز وجل أمره من النار فإنه عز وجل بالغ فِي وصفها فَقَالَ: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} وقال: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} إِلَى غير ذلك من الآيات وقد أَخْبَرَنَا عَبْد الأَوَّل نا ابْنُ المظفر نا ابْنُ أعين ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسماعيل ثنا مالك عَنْ أبي الزناد عَنْ الأعرج عَنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ مَا يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ" قَالُوا لَهُ الصَّحَابَةُ وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "فَإِنَّهَا فُضِلِّتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا" أخرجاه فِي الصحيحين وفي أفراد مسلم من حديث ابْنِ مسعود عَنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مَعَ كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها" أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن ناصر نا جَعْفَر بْن أحمد نا أَبُو علي التَّمِيمِيُّ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ مالة ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن أحمد ثني أبي بهز بْن أسد ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان ثنا عَلِيّ بْن زيد عَنْ مطرف عَنْ كعب قَالَ قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ يا كعب خوفنا فَقَالَ يا أمير المؤمنين اعمل عمل رجل لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيا لازدرأت عملك مما ترى فأطرق عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه مليا ثم أفاق قَالَ زدنا يا كعب قلت يا أمير المؤمنين لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب لغلى دماغه حتى يسيل من حرها فأطرق عُمَر مليا ثم أفاق فَقَالَ زدنا ياكعب قلت يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفر يوم القيامة زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مصطفى إلا خر جاثيا عَلَى ركبتيه ويقول رَبِّ نفسي نَفْسِي لا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ غَيْرَ نَفْسِي أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أَحْمَدَ نا حمد بْن أحمد الحداد ثنا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا أبي ثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَنِ البغدادي ثنا إبراهيم بْن عَبْدِ اللَّهِ الجنيد ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن عائشة ثنا سالم الخواص عَنْ فرات بْن السائب عَنْ زاذان قَالَ سمعت كعب الأحبار يَقُول إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَنَزَلَتِ الْمَلائِكَةُ وَصَارَتْ صُفُوفٌ فَيَقُولُ يَا جِبْرَائِيلُ ائْتِنِي بِجَهَنَّمَ فَيَأْتِي بِهَا جِبْرِيلُ فَتُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفِ زِمَامٍ حَتَّى إِذَا كَانَتْ مِنَ الْخَلائِقِ على قدر مائة عَامٍ زَفَرَتْ زَفْرَةً طَارَتْ لَهَا أَفْئِدَةُ الْخَلائِقِ ثُمَّ زَفَرَتْ ثَانِيَةً فَلا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نبي مرسل إلا جثى عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ تَزْفَرُ الثَّالِثَةَ فَتَبْلُغُ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَذْهَبُ الْعُقُولُ فيفزع كل أمرىء إِلَى عَمَلِهِ حَتَّى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ يَقُولُ بِخُلَّتِي لا أَسْأَلُكَ إِلا نَفْسِي وَيَقُولُ مُوسَى بِمُنَاجَاتِي لا أَسْأَلُكَ إِلا نَفْسِي وَإِنَّ عِيسَى لَيَقُولُ بِمَا أَكْرَمْتَنِي لا أَسْأَلُكَ إِلا نَفْسِي لا أَسْأَلُكَ مَرْيَمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي قلت وَقَدْ روينا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"يا جبرائيل مَا لي أرى ميكائيل لا يضحك"فَقَالَ مَا ضحك ميكائيل مذ خلقت النار وما جفت لي عين مذ خلقت جهنم مخافة أن أعصى اللَّه فيجعلني فيها وبكى عَبْد اللَّهِ بْن رواحة يوما فقالت امرأته مَا لك تبكي قَالَ أنبئت أني وارد ولم أنبأ أني صادر.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: فَإِذَا كانت هذه حالة الملائكة والأنبياء والصحابة وهم المطهرون من الأدناس وهذا انزعاجهم لأجل النار فكيف هانت عند هَذَا المدعى ثم انه يقطع لنفسه بما لا يدري به من الولاية والنجاة وهل قطع بالنجاة إلا لقوم مخصوصين من الصحابة وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ إني فِي الْجَنَّة فهو فِي النار" وهذا مُحَمَّد بْن واسع يَقُول عند موته يا أخوتاه أتدرون أين يذهب بي يذهب بي وَاللَّه الذي لا إله إلا هو إِلَى النار أَوْ يعفو عني قلت وهذا إن صح عَنْ هَذَا المدعى فهذا غاية من تلبيس إبليس وقد كان ابْن عقيل يَقُول قد حكى عَنْ أبي يَزِيد أنه قَالَ وما النار وَاللَّه لئن رأيتها لأطفأنها بطرف مرقعتي أَوْ نحو هَذَا قَالَ ومن قَالَ هَذَا كائن من كان فهو زنديق يجب قتله فَإِن الأهوان للشيء ثمرة الجحد لأن من يؤمن بالجن يقشعر فِي الظلمة ومن لا يؤمن لا ينزعج وربما قَالَ يا جن خذوني ومثل هَذَا القائل ينبغي أن يقرب إِلَى وجهه شمعة فَإِذَا انزعج قيل لَهُ هذه جذوة من نار أنبأنا مُحَمَّد بْن ناصر نا أَبُو الفضل السهلكي قَالَ سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الشيرازي يَقُول ثنا أَبُو إِسْحَاق إبراهيم بْن مُحَمَّد قَالَ سمعت الْحَسَن بْن علوية يَقُول سمعت طيفور الصغير يَقُول سمعت عمي خادم أبي يَزِيد يَقُول سمعت أبا يَزِيد يَقُول سبحاني سبحاني مَا أعظم شأني ثم قَالَ حسبي من نفسي حسبي قلت هَذَا إن صح عنه فربما يكون الراوي لم يفهم لأنه يحتمل أن يكون قد ذكر تمجيد الحق نفسه فَقَالَ فيه سبحاني حكاية عَنِ اللَّه لا عَنْ نفسه وَقَدْ تأوله لَهُ الجنيد بشيء إن لم يرجع إِلَى مَا قلته فليس بشيء فأنبأنا ابْن ناصر نا السهلكي نا مُحَمَّد بْن القاسم الْفَارِسِيّ سمعت الْحَسَن بْن عَلِيٍّ المذكر سمعت جَعْفَر الخلدي يَقُول قيل للجنيد إن أبا يَزِيد يَقُول سبحاني سبحاني أنا ربي الأعلى فَقَالَ الجنيد إن الرَّجُل مستهلك فِي شهود الجلال فنطق بما استهلكه أذهله الحق عَنْ رؤيته إياه فلم يشهد إلا الحق فنعته قلت وهذا من الخرافات أنبأنا عَبْد الأَوَّل نا أحمد بْن أبي نصر الكوفاني نا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن فوزي نا عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيٍّ السراج قَالَ سمعت أحمد بْن سالم البصري بالبصرة يَقُول فِي مجلسه يوما فرعون لم يقل مَا قَالَ أَبُو يَزِيد لأن فرعون قَالَ أَنَا ربكم الأعلى والرب يسمى به المخلوق يقال رب الدار وقال أَبُو يَزِيد سبحاني سبحاني لا يجوز إلا اللَّه فقلت قد صح عنك هَذَا عَنْ أبي يَزِيد فَقَالَ قد قَالَ ذلك فقلت يحتمل أن يكون لهذا الكلام مقدمات يحكى بأن اللَّه يَقُول سبحاني لأنا لو سمعنا رجلا يَقُول لا إله إلا أنا علمنا أنه يقرأ وَقَدْ سألت جماعة من أهل بسطام من بيت أبي يَزِيد عَنْ هَذَا فقالوا لا نعرف هَذَا أنبأنا ابْن ناصر نا أَبُو الفضل السهلكي قَالَ سمعت أبا عَبْد اللَّهِ الشيرازي يَقُول سمعت عامر بْن أَحْمَدَ قَالَ سمعت الكتاني يَقُول حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الدئيلي قَالَ سمعت أبا يَزِيد يَقُول كنت أطوف حول البيت أطلبه فلما وصلت إليه رأيت البيت يطوف حولي قال الشيرازي وَحَدَّثَنَا إبراهيم بْن مُحَمَّد قَالَ سمعت الْحَسَن بْن علوية يَقُول سمعت طيفور الصغير يَقُول سمعت أبا يَزِيد يَقُول حججت أول حجة فرأيت البيت وحججت الثانية فرأيت صاحب البيت ولم أر البيت وحججت الثالثة فلم أر البيت ولا صاحب البيت قَالَ الشيرازي وسمعت مُحَمَّد بْن داودية يَقُول سمعت عَبْد اللَّهِ بْن سَهْل يَقُول سمعت أبا مُوسَى الدئيلي يَقُول سمعت أبا يَزِيد وسئل عَنِ اللوح المحفوظ قَالَ أنا اللوح المحفوظ قال الشيرازي وسمعت المظفر بْن عِيسَى المراغي يَقُول سمعت سيرين يَقُول سمعت أبا مُوسَى الدئيلي يَقُول لأبي يَزِيد بلغني أن ثَلاثَة قلوبهم عَلَى قلب جبريل قَالَ أنا أولئك الثلاثة فقلت كيف قَالَ قلبي واحد وهمي واحد وروحي واحد قلت وبلغني أن واحدا قلبه عَلَى قلب إسرافيل قَالَ وأنا ذلك الْوَاحِد ومثلي مثل بحر مصطلم لا أول لَهُ ولا آخر قَالَ السهلكي وقرأ رجل عند أبي يَزِيد: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} فقال أبو يزيد وحياته أن بطشي أشد من بطشه وقيل لأبي يَزِيد بلغنا أنك من السبعة قَالَ أنا كل السبعة وقيل لَهُ إن الخلق كلها تحت لواء سيدنا مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَاللَّه إن لوائي أعظم من لواء مُحَمَّد لوائي من نور تحته الجن والإنس كلهم مَعَ النبيين وقال أَبُو يَزِيد سبحاني سبحاني مَا أعظم سلطاني ليس مثلي فِي السماء يوجد ولا مثلي صفة فِي الأَرْض تعرف أنا هو وهو أنا وهو هو...