فِي ذكر تلبيس إبليس عَلَى المتدينين بما يشبه الكرامات.

فِي ذكر تلبيس إبليس عَلَى المتدينين بما يشبه الكرامات.

اللفظ / العبارة' فِي ذكر تلبيس إبليس عَلَى المتدينين بما يشبه الكرامات.
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
Content

قد بينا فيما تقدم أن إبليس إنما يتمكن من الإنسان عَلَى قدر قلة العلم فكلما قل علم الإنسان كثر تمكن إبليس مِنْهُ وكلما كثر العلم قل تمكنه مِنْهُ ومن العباد من يرى ضوءا أَوْ نورا فِي السماء فَإِن كان رمضان قَالَ رأيت ليلة القدر وإن كان فِي غيره قَالَ قد فتحت لي أبواب السماء وَقَدْ يتفق لَهُ الشيء الذي يطلبه فيظن ذلك كرامة وربما كان اتفاقا وربما كان اختبارا وربما كان من خدع إبليس والعاقل لا يساكن شيئا من هَذَا ولو كان كرامة وَقَدْ ذكرنا فِي باب الزهاد عَنْ مالك بْن دِينَار وحبيب العجمي أنهما قالا إن الشَّيْطَان ليلعب بالقراء كَمَا يلعب الصبيان بالجوز ولقد استعوى بعض ضعفاء الزهاد بأن أراه مَا يشبه الكرامة حتى أدعى النبوة فروي عَنْ عَبْدِ الْوَهَّاب بْن نجدة الحوطي قَالَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَك ثنا الوليد بْن مسلم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْن حسان قَالَ كان الحارث الكذاب من أهل دمشق وكان مولى لأبي الجلاس وكان لَهُ أب بالغوطة تعرض لَهُ إبليس وكان متعبدا زاهدا لو لبس جبة من ذهب لرأيت عَلَيْهِ زهادة وكان إذا أخذ فِي التحميد لم يصغ السامعون إِلَى كلام أحسن من كلامه قَالَ فكتب إِلَى أبيه يا أبتاه أعجل علي فإني قد رأيت أشياء أتخوف منها أن تكون من الشياطين قَالَ فزاده أبوه غيا وكتب إليه يا بني أقبل عَلَى مَا أمرت به إن اللَّه يَقُول: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} ولست بأفاك ولا أثيم فأمض لما أمرت به وكان يجيء إِلَى أهل المساجد رجلا رجلا فيذكر لَهُ أمره ويأخذ عليهم العهود والمواثيق إن هو رأى يرضى قبل وإلا كتم عَلَيْهِ وكان يريهم الأعاجيب كان يأتي إِلَى رخامة فِي المسجد فينقرها بيده فتسبح وكان يطعمهم فاكهة الصيف فِي الشتاء ويقول أخرجوا حتى أريكم الملائكة فيخرجهم إِلَى دير المران فيريهم رجالا عَلَى خيل فتبعه بِشْر كثير وفشى الأمر وكثر أصحابه حتى وصل خبره إِلَى القاسم بْن مخيمرة فَقَالَ لَهُ إني نبي فَقَالَ لَهُ القاسم كذبت يا عدو اللَّه فَقَالَ لَهُ أَبُو إدريس بئس مَا صنعت إذا لم تلن لَهُ حتى تأخذه.

الآن يفر وقام من مجلسه حتى دخل عَلَى عَبْد الملك فأعلمه بأمره فبعث عَبْد الملك فِي طلبه فلم يقدر عَلَيْهِ وخرج عَبْد الملك حتى نزل العنيبرة١ فاتهم عامة عسكره بالحارث أن يكونوا يرون رأيه وخرج الحارث حتى أتى بيت المقدس واختفى وكان أصحابه يخرجون يلتمسون الرجال يدخلونهم عَلَيْهِ وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس فأدخل عَلَى الحارث فأخذ فِي التحميد وأخبره بأمره وأنه نبي مبعوث مرسل فَقَالَ إن كلامك لحسن ولكن لي فِي هَذَا نظر قَالَ فانظر فخرج البصري ثم عاد إليه فرد عَلَيْهِ كلامه فَقَالَ إن كلامك لحسن وَقَدْ وقع فِي قلبي وَقَدْ آمنت بك وهذا هو الدين المستقيم فأمر أن لا يحجب عنه متى أراد الدخول فأقبل البصري يتردد إليه ويعرف مداخله ومخارجه وأين يهرب حتى صار من أخبر الناس به ثم قَالَ لَهُ أئذن لي فَقَالَ إِلَى أين قَالَ إِلَى البصرة فأكون أول داع لك بِهَا قَالَ فأذن لَهُ فخرج مسرعا إِلَى عَبْد الملك وَهُوَ بالصنيبرة فلما دنا من سرادقه صاح النصيحة النصيحة فَقَالَ أهل العسكر وما نصيحتك قَالَ نصيحة لأمير المؤمنين فأمر الخليفة عَبْد الملك أن يأذنوا لَهُ بالدخول عَلَيْهِ فدخل وعنده أصحابه قَالَ فصاح النصيحة قَالَ وما نصيحتك قَالَ أخلني لا يكن عندك أحد فأخرج من فِي البيت وقال لَهُ ادنني قَالَ ادن فدنا وعبد الملك عَلَى السرير قَالَ مَا عندك قَالَ الحارث فلما ذكر الحارث طرح عَبْد الملك نفسه من أعلى السرير إِلَى الأَرْض ثم قَالَ أين هو قَالَ يا أمير المؤمنين ببيت المقدس قد عرفت مداخله ومخارجه وقص عَلَيْهِ قصته وَكَيْفَ صنع به فَقَالَ أنت صاحبه وأنت أمير بيت المقدس وأميرنا ههنا فمرني بما شئت قَالَ يا أمير المؤمنين ابعث معي قوما لا يفهمون الكلام فأمر أربعين رجلا من فرغانة فَقَالَ انطلقوا مَعَ هَذَا فما أمركم به من شيء فأطيعوه قَالَ وكتب إِلَى صاحب بيت المقدس أن فلانا هو الأمير عليك حتى يخرج فأطعمه فيما أمرك به فلما قدم بيت المقدس أعطاه الْكِتَاب فَقَالَ مرني بما شئت فَقَالَ أجمع لي كل شمعة تقدر عليها ببيت المقدس وأدفع كل شمعة إِلَى رجل ورتبهم عَلَى أزقة بيت المقدس وزواياه فَإِذَا قلت أسرجوا أسرجوا جميعا فرتبهم فِي أزقة بيت المقدس وزواياها بالشمع وتقدم البصري إِلَى منزل الحارث فأتى الباب فَقَالَ للحاجب أستأذن لي عَلَى نبي اللَّه قَالَ فِي هذه الساعة مَا يؤذن عَلَيْهِ حتى يصبح قَالَ أعلمه إني مَا رجعت إلا شوقا إليه قبل أن أصل فدخل عَلَيْهِ وأعلمه بكلامه فأمره بفتح الباب قَالَ ثم صاح البصري أسرجوا الشموع فأسرجت حتى كانت كأنها النهار ثم قَالَ من مر بكم فأضبطوه كائنا من كان ودخل هو إِلَى الموضع الذي يعرفه فطلبه فلم يجده فَقَالَ أصحاب الحارث هيهات تريدون تقتلون نبي اللَّه قد رفع إِلَى السماء قَالَ فطلبه فِي شق قد هيأه سربا فأدخل البصري يده فِي ذلك السرب فَإِذَا هو بثوبه فاجتره فأخرجه إِلَى خارج ثم قَالَ للفرغانيين اربطوه فربطوه فبينما هم يسيرون به عَلَى البريد إذ قَالَ أتقتلون رجلا أن يَقُول ربي اللَّه فَقَالَ رجل من الفرغانيين أولئك العجم هَذَا كرامتنا فهات كرامتك أنت وساروا به حتى أتوا به عَبْد الملك فلما سمع به أمر بخشبة فنصبت فصلبه وأمر بحربة وأمر رجلا فطعنه فلما صار إِلَى ضلع من أضلاعه فانكفأت الحربة عنه فجعل الناس يصيحون ويقولون الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ثم مشى إليه وأقبل يتجسس حتى وافى بين ضلعين فطعنه بِهَا فأنفذها فقتله قَالَ الوليد بلغني أن خالد بْن يَزِيد بْن مُعَاوِيَة دخل عَلَى عَبْد الملك بْن مروان فَقَالَ لو حضرتك مَا أمرتك بقتله قَالَ ولم قَالَ إنما كان به المذهب فلو جوعته ذهب عنه وروى أَبُو الربيع عَنْ شيخ أدرك القدماء قَالَ لما حمل الحارث عَلَى البريد وجعلت فِي عنقه جامعة من حديد وجمعت يده إِلَى عنقه فأشرف عَلَى عقبة بيت المقدس تلى هذه الآية: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} فتقلقلت الجامعة ثم سقطت من يده ورقبته إِلَى الأَرْض فوثب الحرس الذين كانوا معه فأعادوها عَلَيْهِ ثم ساروا به فلما أشرفوا عَلَى عقبة أخرى قرأ آية فسقطت من رقبته ويده عَلَى الأَرْض فأعادوها عَلَيْهِ فلما قدموا عَلَى عَبْد الملك حبسه وأمر رجالا من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويخوفوه الله ويعلموه أن هَذَا من الشَّيْطَان فأبى أن يقبل منهم فصلب وجاء رجل بحربة فطعنه فانثنت فتكلم الناس وقالوا مَا ينبغي لمثل هَذَا أن يقتل ثم أتاه حرسه برمح دقيق فطعنه بين ضلعين من أضلاعه ثم هزه وأنفذه وسمعت من قَالَ قَالَ عَبْد الملك للذي ضربه بالحربة لما أنثنت أذكرت اللَّه حين طعنته قَالَ نسيت قَالَ فأذكر الله ثم اطعنه ذكر الله ثم طعنه فأنفذها.

فصل: وكم اغتر قوم بما يشبه الكرامات فقد روينا بإسناد عَنْ حسن عَنْ أبي عمران قَالَ قَالَ لي فرقد يا أبا عمران قد أصبحت الْيَوْم وأنا مهتم بضريبتي وهي ستة دراهم وَقَدْ أهل الهلال وليست عندي فدعوت فبينما أنا أمشي عَلَى شط الفرات إذا أنا بستة دراهم فأخذتها فوزنتها فَإِذَا هي ستة لا تزيد ولا تنقص فَقَالَ تصدق بِهَا فإنها ليست لك قلت أَبُو عمران هو إبراهيم النخعي فقيه أهل الكوفة فانظروا إِلَى كلام الفقهاء وبعد الاغترار عنهم وَكَيْفَ أخبره أنها لقطة ولم يلتفت إِلَى مَا يشبه الكرامة وإنما لم يأمره بتعريفها لأن مذهب الكوفيين أنه لا يجب التعريف لما دون الدينار وكأنه إنما أمره بالتصدق بِهَا لئلا يظن أنه قد أكرم بأخذها وأنفاقها وبإسناد عَنْ إبراهيم الخراساني أنه قَالَ احتجت يوما إِلَى الوضوء فَإِذَا أنا بكوز من جوهر وسواك من فضة رأسه ألين من الخز فاستكت بالسواك وتوضأت بالماء وتركتهما وأنصرفت قلت فِي هذه الحكاية من لا يوثق بروايته فَإِن صحت دلت عَلَى قلة علم هَذَا الرَّجُل 

كتاب تلبيس إبليس،ص:335إلى 337.


Loading...