وهذا من التراكيب الأعجمية الخالصة، فإن الذي تستعمله العرب في هذا المعنى هو: ما أجمله، وأجمل به، وهما صيغتا التعجب، ولا مكان لاستعمال (كم) هنا، سواء أكانت خبرية أم استفهامية. ويحسن هنا أن أتكلم باختصار في الاستعمال الصحيح (لكم)، وإنما أترك الإطناب، لأنه يستلزم ذكر اختلاف النحويين، وذلك يشوش على كثير من القراء، ويعسر عليهم الاستفادة. وأسهل العبارات في ذلك وأجملها عبارة أبي محمد القاسم بن علي الحريري رحمه الله في المُلحة:باب كم الخبرية:
واجرر بكم ما كنت عنه مخبرا ... معظما لقدره مكثرا
تقول كم مال أفادته يدي ... وكم إماء ملكت وأعبد
قال الحريري في الشرح: اعلم أن (كم) اسم موضوع للعدد المبهم جنسا ومقدارا، ولها موضعان: الاستفهام والخبر المقترن بالتكثير. ولما كان العدد نوعين: أحدهما مجرور، والآخر منصوب، شبه كل واحد من موضعيها بأحد من نوعي العدد، فنصبوا ما بعدها على التمييز في الاستفهام، على ما نبينه في شرح نوع التمييز، وجروا ما بعدها بالإضافة في الأخبار.
ويجوز أن يقع الاسم الذي بعد (كم) الخبرية واحدا وجمعا، كقولك: كم عبد ملكت، وكم عبيد ملكت؟ كما أن العدد المجرور قد يكون واحدا في مثل قولك: مائة ثوب، ويكون جمعا في مثل قولك: ثلاثة أثواب، إلا أن من شرط جرها الاسم أن يكون الاسم يليها، فان فصل بينهما فاصل انتصب على التمييز كما ينتصب في الاستفهام، فتقول في الخبر: كم لي عبدا، كما تقول في الاستخبار: كم عبدا لك؟
وقال في المنصوبات: باب كم الاستفهامية:
وكم إذا جئت بها مستفهما ... فانصب وقل كم كوكبا تحوي السما
قد ذكرنا في شرح باب الإضافة أن كم الخبرية يجر ما بعدها، وكم الاستفهامية ينصب ما بعدها على التمييز، تشبيها لها بالعدد المنصوب على التمييز، ولهذا جاء مفسرها واحدا
اختلاف النحويين، وذلك يشوش على كثير من القراء، ويعسر عليهم الاستفادة. وأسهل العبارات في ذلك وأجملها عبارة أبي محمد القاسم بن علي الحريري رحمه الله في المُلحة: باب كم الخبرية:
ولم يجئ جمعا، كما أن المنصوب بعد العدد الذي هو الذي أحد عشر إلى تسعة وتسعين لا يكون إلا واحدا، وكم الاستفهامية قد تقع موقع المبتدأ في مثل قولك: كم عبد لك؟ فكم مبتدأ، ولك الخبر، ونصبت عبدا على التمييز. وقد تقع موقع المفعول به في مثل قولك: كم رجلا رأيت؟ ، وتقع موقع الجار والمجرور تارة بحرف الجر في مثل قولك: بكم دراهم بعت، وتارة بالإضافة في مثل قولك: ابن كم سنة أنت؟ اهـ.
وقد راجعت الترجمة الإنكليزية لقوله تعالى في سورة البقرة (١٧٥){فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} وترجمة قوله تعالى في سورة مريم (٣٨){أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} وترجمة قوله تعالى في سورة الكهف (٢٦){أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ}، وهذه صيغ تعجب، وهي من الله تعالى للتعجب، فوجدت المترجم ترجمها كلها بأدوات الاستفهام, إذ لا يوجد في الإنكليزية صيغة تعجب، ومن هنا جاء معظم البلاء فإن لغة المستعمر الغالب استعمرت اللغة العربية كما استعمرت أهلها، فغيرت تراكيبها، وشوهت محاسنها، وتركتها جسد بلا روح، فالمفردات عربية، والتراكيب أعجمية.