تعبيرهم بالتمني عن الدعاء وإرادة الخير

تعبيرهم بالتمني عن الدعاء وإرادة الخير

اللفظ / العبارة' تعبيرهم بالتمني عن الدعاء وإرادة الخير
متعلق اللفظ مسائل لغوية
الحكم الشرعي خطأ
القسم المناهي اللفظية
Content

 تعبيرهم بالتمني عن الدعاء وإرادة الخير]

لم يزل المسلمون، والعرب الجاهليون قبلهم يدعون الله بالخير لمن يحبون، ويدعون بالشر على من يبغضون إلى زمان الدولة العثمانية، فإن الكلمة التي كانت تكتب قبل التوقيع في آخر الرسالة (داعيكم) يعنون الداعي لكم، ولما جاء الاستعمار، وتغلبت لغاته ترجموا اللفظ الانجليزي I wish you بقولهم: أتمنى لكم، وهي ترجمة فاسدة، لأن الفعل الإنكليزي المذكور يعبر عن الإرادة والرغبة الشديدة. 

أما التمني فهو طلب المستحيل أو ما فيه عسر، والأكثر استعماله في طلب المستحيل، قاله الأشموني قالوا: ولا يستعمل التمني فيما هو واجب الوقوع. فمثال المستحيل قول الشيخ:

ألا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب

وقوله تعالى في سورة النساء (٧٣) {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} وقول الشاعر:

ليت وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت

قال الأشموني: وأما قوله تعالى {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} مع أنه واجب، فالمراد: تمنيه قبل وقته. اهـ يعني قبل الأجل المحدود، وهو مستحيل.

وقال تعالى في سورة البقرة (٩٦) {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} يعني ولتجدنهم، أي اليهود - مع زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه - أحرص الناس على طول حياة، وأحرص من الذين أشركوا، وهم المجوس، فإن أحدهم يهنئ صاحبه بقوله: (هزار نوروز مهرجان) يعني تعيش ألف سنة، وتشهد ألف عيد واحتفال ولو هنا للتمني قاله البيضاوي، وهذا أيضا من المستحيل.

قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة النساء (٣٢) {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} من الأمور الدنيوية، كالجاه والمال، فلعل عدمه خير والمقتضى للمنع كونه ذريعة إلى التحاسد والتعادي، لعدم الرضا بما قسم الله له، وأنه تشبه لحصول لشيء له من غير طلب، وهو مذموم ،لأن تمني ما لم يقدر له معارضة لحكمة القدر، وتمني ما قدر له بكسب بطالة وتضييع حظ، وتمني ما قدر له بغير كسب ضائع ومحال اهـ.

وروى أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث شداد ابن أوس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني». وقال الشاعر:

تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى ... وكل امرئ والموت يلتقيان

وقال الآخر:

تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر

فإن حان يوما أن يموت أبوكما ... فلا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر

وقولا هو المرء الذي لا خليله ... أضاع ولا خان الصديق ولا غدر

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وكانت المرأة في الجاهلية تلزم الحداد والبكاء على الميت سنة كاملة. وهذا كله في استعمال التمني بمعنى طلب المستحيل وإما استعماله بمعنى طلب الأمر العسير فكقول الشاعر:

ليت هندًا أنجزتنا ما تعد ... وشفت أنفسنا مما نجد

واستبدت مرة واحدة ... إنما العاجز من لا يستبد

قال في لسان العرب: التمني: حديث النفس بما يكون وما لا يكون، والتمني: السؤال للرب في الحوائج. وفي الحديث: (إذا تمنى أحدكم فليستكثر، فإنما يسأل ربه)، وفي رواية، فليكثر قال ابن الأثير: التمني تشهي حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وبما لا يكون. والمعنى إذا سأل الله حوائجه وفضله فليكثر، فان فضل الله كثير، وخزائنه واسعة اهـ ويجمع بين الحديث المشار إليه - على فرض ثبوته - وبين الحديث المتقدم، على أن التمني الذي في هذا الحديث هو سؤال الله، مع محاسبة النفس والعمل الصالح، فيرجع إلى الدعاء وهو المطلوب. فالصواب أن يقال مثلا: أرجو أن تكونوا بخير وعافية، وأرجو لكم سفرا سعيدا.

ويقال للمريض: أرجو لك شفاء عاجلا، أو أسأل الله لك.

كتاب تقويم اللسانين،ص:65إلى67.

Loading...