كل من يستمع إلى الإذاعات يعلم أن بعض المذيعين يمنعون صرف كل جمع من جموع التكسير جاء على أفعال، كأنباء وآراء، وأحزاب، والذي ورطهم في ذلك أنهم رأوا (أشياء) جمع شيء ممنوعة من الصرف فقاسوا عليها ما يشابهها في اللفظ لجهلهم. وقد اتفق النحاة على منع صرف (أشياء)، واختلفوا في تعليله اختلافًا كثيرًا، لو ذكرته هنا لشوش على كثير من القراء، وأيْأَسَهُم في فهم المقصود، فأقتصر على ذكر القول الراجح، وهو قول الخليل وسيبويه.
قال صاحب اللسان: وأشياء: لفعاء عند الخليل وسيبويه اهـ وبيان ذلك أن لام الكلمة تقدمت على فائها وعينها فصارت (لفع) اتصلت بها ألف التأنيث الممدودة، فصارت (لفعاء) وهو وزن أشياء، باعتبار الهمزة الأولى آخر الكلمة في الأصل تقدم على أولها وثانيها، فلم يبق إلا المد والهمزة، وذلك ما يسمى بألف التأنيث الممدودة كما في أصدقاء وأغنياء وغيرهما من الجموع، وكما في خضراء وحمراء وصحراء وغيرهن من الأسماء المفردة.
والذي حملهم على هذا التأويل أنها جاءت ممنوعة من الصرف في القرآن، قال تعالى في سورة المائدة (١٠١){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
وقال ابن حمدون على الأزهري: أشياء، جمع شيء، وأصله شياء فكرهوا اجتماع همزتين بينهما حاجز غير حصين وهو الألف فقدموا الهمزة الأولى - لام الكلمة على الفاء والعين، فصار أشياء، فهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة. اهـ.
أقول: علة منعه من الصرف غير معلومة يقينا، وتعليلات النحويين حدس وتخيل قلَّ ما يثبت أمام النقد، والمقصود بها ترسيخ القواعد في ذهن الطالب. أما أنباء وآراء وما أشبههما فلا معنى لمنعها من الصرف، وقد أصبح الإنشاء عند المتكلمين باللغة العربية لا يستفاد من المدرسة وقراءة كلام البلغاء، وحفظ أشعارهم، وإنما يؤخذ من الإذاعات والصحف، وذلك دليل على أن علم العرب اليوم بلغتهم ضحل، وذلك دليل على التخلف، وهم يرون الشعوب المتقدمة كبريطانيا وجرمانية وفرنسا تبذل الجهود والأموال في رفع مستوى لغاتها ونشرها في الدنيا كلها، فأين التقدم الذي يتبجح به بعضهم؟