قال عنه

قال عنه

اللفظ / العبارة' قال عنه
متعلق اللفظ مسائل لغوية
الحكم الشرعي خطأ
القسم المناهي اللفظية
Content

 قال عنه]

من البدع المحدثات في الكلام العربي التي شاعت وذاعت في زمان الاستعمار، وكثرة ما يترجم من اللغات الأعجمية حين ضعفت الشعوب العربية، ولم يبق لها قول إلا ما تنقله من كلام المستعمرين المتغلبين قولهم (قال عنه) أنه كذا وكذا مدحًا أو ذما، وهذا خطأ، والصواب أن يقال (قال فيه). والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى أقتصر على قليل منها.

قال ابن منظور في مادة (ق ول) وفي حديث سعيد بن المسيب حين قيل له: ما تقول في عثمان وعلي؟ فقال: أقول فيهما ما قولني الله تعالى (٥٩ - ١٠) {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}.

وفي حديث علي، عليه السلام: سمع امرأة تندب عمر فقال: أما والله ما قالته، ولكن قولته، أي لقنته وعُلِّمته وألقي على لسانها، يعني من جانب الإلهام، أي أنه حقيق بما قالت فيه اهـ.

الشاهد هنا في ثلاثة مواضع في قول سعيد بن المسيب: أولهما قوله (أقول فيهما ما قولني الله تعالى) والثاني في سؤال من سأله (ما تقول في عثمان وعلي؟ ) والثالث في خبر علي مع المرأة، وقد فسر صاحب اللسان بقوله (إنه حقيق بما قالت فيه) ومعنى حقيق هنا: جدير بما قالت فيه تلك المرأة من المدح والثناء.

ومراد سعيد بن المسيب بتلاوة الآية أنه يقول فيهما خيرًا.

وبيان ذلك أن الله تعالى أثنى على المهاجرين في سورة الحشر بقوله (٨) {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}. وأثنى على الأنصار بقوله (٩) {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وأثنى على التابعين لهم بإحسان بقوله (١٠) {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

ذِكْرُ تفسير الحافظ ابن كثير لهذه الآيات باختصار:

قال ابن كثير: يقول تعالى مبينا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء إنهم الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، أي خرجوا من ديارهم، وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي هؤلاء الذين صدَّقوا قولهم بفعلهم، وهم سادات المهاجرين. والفيء كل مال أخذه المسلمون من أعدائهم بدون قتال، كأموال بني النضير، وهي المعنية بهذه الآية.

ثم قال تعالى مادحا للأنصار، ومبينا لهم فضلهم وشرفهم وكرمهم، وعدم حسدهم، وإيثارهم مع الحاجة فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي سكنوا دار الهجرة من المهاجرين، وآمنوا قبل كثير منهم.

قال عمر (يعني في وصيته عند موته): وأوصي الخليفة بعدي.

بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم كرامتهم، وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبل، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم. رواه البخاري.

ثم روى عن أحمد بسنده إلى أنس قال: قال المهاجرون: يارسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا في كثير، لقد كفونا المؤونة، وأشركونا في الهناء (الهنأ ما أتاك من الرزق بلا مشقة) حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال: لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم اهـ.

ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آخى بين المهاجرين والأنصار صار الأخ الأنصاري يقوم بالعمل كله في أرضه ويقاسم أخاه المهاجر الغلة والثمرة. فخاف المهاجرون أن كل ما عملوه من عمل مقبول عند الله يكون أجره لإخوانهم الأنصار الذين كفوهم مؤونة العمل، وأشركوهم في الغلة والثمرة، فأخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أجرهم ثابت لهم، إن كافؤوا إخوانهم الأنصار بالثناء والشكر ودعوا الله لهم. روى أحمد والترمذي من حديث أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من لم يشكر الناس، لم يشكر الله.

وروى البخاري بسنده إلى يحيى بن سعيد، سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصار أن يقطع لهم البحرين، قالوا: لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال أما لا فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم أثرة اهـ.

قال في مجمع البحار: وفي الحديث ستلقون بعدي أثرة - بفتحتين - اسم من آثر يوثر إيثارا، أي أعطى، أراد أنه يستأثر عليكم، فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء. والاستئثار: الانفراد بالشيء اهـ. 

قال البخاري: مُنْكَر الحديث. ونقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه.

ثم قال: اعلم أن كل من أقول فيه: مجهول، ولا أسنده إلى قائل، فإن ذلك قول أبى حاتم فيه. اهـ فقوله (أقول فيه مجهول) وقوله (فإن ذلك قول أبي حاتم فيه) مطابقان للاستعمال العربي السليم. والشواهد في هذا الكتاب وفي غيره من كتب الجرْح والتعديل، كتهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر، ولسان الميزان، له أكثر من أن تحصى، ولم يرد في شيء منها قال عنه أو 

قالوا عنه.

وإذا سأل سائل ماذا يقول النصارى في عيسى بن مريم يكون الجواب: يقولون فيه: إنه ابن الله، وإنه ثالث ثلاثة، وأنه الأقنوم الثاني، تعالى الله عن ذلك: وقال البوصيري في الهمزية في وصف امرأة أبي لهب وعداوتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-

يوم جاءت غضبى تقول ... أفي مثل من أحمد يقال الهجاء

تعني أفي يقال الهجاء الصادر من أحمد صلى الله عليه وسلم تعني بالهجاء سورة: تبت يدا أبي لهب فقال (في مثلي، ولم يقل عن مثلي) والقول يعدى بـ (في) في المسائل كذلك يقال: ما تقول في مسألة كذا وكذا. وقال عبدالله بن مسعود في مسألة سئل عنها: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.

وقد أكثر من ذلك ابن برى في منظومته كقوله:

القول في التعوذ المختار ... وحكمه في الجهر والإسرار

كيف تستعمل قال عنه؟

فإن قلت: قد فهمنا من كلامك أن تعبير عامة الكتاب يقال عنه في موضع قال فيه خطأ، فأين تستعمل قال عنه؟ فالجواب: يستعملها المحدثون في الرواية، وقد أكثر من ذلك البخاري رحمه الله. فمن ذلك قوله في كتاب العلم من صحيحه: وقال شقيق عن عبدالله سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-: وقال أبو العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: وقال أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- اهـ.

فمعنى قال هنا: روى وحدث، فهذا هو الفرق بين قال فيه وقال عنه، يجب علينا أن نميز بينهما، وأن نستعمل كلًا منهما فيما يناسبه، والله الموفق.

كتاب تقويم اللسانين،ص:79إلى88.




Loading...