الخلط والخبط في استعمال الغداء (بالمهلمة) واستعمال الغذاء (بالمعجمة)

الخلط والخبط في استعمال الغداء (بالمهلمة) واستعمال الغذاء (بالمعجمة)

اللفظ / العبارة' الخلط والخبط في استعمال الغداء (بالمهلمة) واستعمال الغذاء (بالمعجمة)
متعلق اللفظ مسائل لغوية
الحكم الشرعي خطأ
القسم المناهي اللفظية
Content

- الخلط والخبط في استعمال الغداء (بالمهلمة) واستعمال الغذاء (بالمعجمة)]

إذا استمعت إلى الإذاعات، أو قرأت الصحف تجد أكثر المتكلمين والكتاب لا يميزون بين الغداء والغذاء، ودونك معناهما وضبطهما. فالغداء - بفتح الغين المعجمة ودال مهملة ممدودا، هو طعام الغدوة، وهي أول النهار قال الله تعالى في سورة الكهف في قصة موسى مع الخضر: (٦٢) {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}.

قال البيضاوي: {فَلَمَّا جَاوَزَا} مجمع البحرين {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا} ما نتغدى به {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} قيل لم ينصب حتى جاز الموعد، فلما جاوزه وسار الليلة والغد إلى الظهر ألقى عليه الجوع والنصب اهـ.

وقال الراغب في غريب القرآن: (غدا) الغدوة والغداة من أول النهار، والغداء طعام يتناول في ذلك الوقت اهـ.

وقال صاحب اللسان: والغداء: الطعام بعينه، وهو خلاف العشاء. ابن سيدة: الغداء طعام الغدوة، والجمع أغدية، عن ابن الأعرابي. أبو حنيفة: الغداء رعي الإبل في أول النهار، وقد تغدت وتغدى الرجل وغديته. ورجل غديان وامرأة غديا، على فعلى، وأصلها الواو، ولكنها قلبت استحسانا، لا عن قوة علة، وغديته فتغدى اهـ.

إذا فهمت هذا علمت أن تسمية الناس اليوم للطعام الذي يؤكل بعد الظهر غداء مخالف لاستعمال العرب، لأن العرب لم يكونوا يأكلون في وقت الظهر، وليس لغتهم اسم لطعام يؤكل 

وقت الظهر، ولم يكونوا يأكلون بالليل، ولذلك لا يوجد في لغتهم اسم لطعام يؤكل بالليل، وإنما كان عندهم غداء وعشاء، فالغداء تقدم بيانه، والعشاء طعام العشي.

قال صاحب القاموس: والعشي بالكسر، والعشاء كسماء طعام العشي، الجمع أعشية، وعشى وتعشى أكله، وهو عشيان ومتعش، وعشاه عشوًا أطعمه إياه كعشاه وأعشاه اهـ.

وفيما سوى هذين الطعامين لا يتقيد الأكل بوقت معتاد متى جاع الإنسان أكل. ومن أمثال العرب: خير النهار بواكره، وخير العشاء سوافره، والبواكر هي ساعات الإبكار، الساعات الأولى من الصبح. والسوافر ساعات العشي التي لا يزال فيها ضوء النهار موجودا قبل أن يجيء الظلام ومرادهم بذلك التبكير للأشغال والأعمال، وتعجيل العشاء قبل أن يأتي الظلام.

ولا يزال كثير من العرب عاملين بذلك إلى يومنا هذا، فإني كنت أسكن بقرية الزبير بقرب البصرة، وسكانها من أهل نجد، وهم محافظون على العادات العربية، فكنت إذا خرجت إلى المسجد لصلاة المغرب، ووقفت في الصف أشم رائحة الدسم تنبعث عن يميني وشمالي، وذلك دليل على أنهم تعشوا قبل غروب الشمس، ولكنهم لم يحافظوا على الغداء في وقته الذي كانت عليه العرب، فإنهم يفطرون في الصبح بما تيسر، ويؤخرون الغداء إلى أن يصلوا الظهر.

ولما كنت ساكنًا بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ألف وثلاثمائة وست وأربعين وسبع وأربعين رأيت سكان المدينة كلهم يتغدون في الضحى ويتعشون بين العصر والمغرب كما كان العرب الأولون يفعلون. أما في هذه السنة فقد أقمت في المدينة ستة عشر يومًا ودعاني كثير من الإخوان إلى الطعام فرأيت تلك العادة قد تبدلت، وصار سكان المدينة يأخذون بعادة أهل المدن وهي ثلاث أكلات في النهار حين يصبحون وحين يظهرون، وحين يمسون.

وقد تجنبت ذكر الوجبة التي اعتاد الكتاب التعبير بها عن كل واحدة من الأكلات الثلاث المعتادة، لأنهم يستعملونها خطأ.

قال صاحب اللسان: الوجبة: الأكلة في اليوم والليلة قال ثعلب: الوجبة: أكلة في اليوم إلى مثلها من الغد اهـ.

والأوربيون أيضا يعملون بشطر المثل العربي، وهو خير العشاء سوافره، فإنهم يأكلون عادة أعشيتهم بين الساعة السادسة والسابعة، وتكون الشمس في الصيف لا تزال مرتفعة.

ويقول علماء الصحة: إن ذلك خير من تأخير الطعام إلى أن يكون قبيل النوم، فإن النوم على امتلاء المعدة تنشأ عنه أمراض، ولا يكون النوم معه هنيئا. أما إذا تعشى الإنسان مبكرا، فانه يتحرك بعد العشاء، فلا يأتي وقت النوم حتى يتم الهضم الأول للطعام.

تقويم اللسانين،ص:88إلى90.

Loading...