قولهم (تأكدت من شيء) وأنا متأكد منه،

قولهم (تأكدت من شيء) وأنا متأكد منه،

اللفظ / العبارة' قولهم (تأكدت من شيء) وأنا متأكد منه،
متعلق اللفظ مسائل لغوية
الحكم الشرعي خطأ
القسم المناهي اللفظية
Content

شاع في هذا الزمان قولهم (تأكدت من شيء) وأنا متأكد منه، وهو خطأ قال في اللسان (أكد العهد والعقد لغة في وكده وقيل هو بدل والتأكيد لغة في التوكيد) فقال صاحب القاموس (أكد الحنطلة رأسها وأكده تأكيدا وكده والأكيد الوثيق) وقال صاحب المنجد (أكد ووكد العهد أو السرج شده وأوثقه تأكد وتوكد توثق واشتد، الأكيد المحكم الوثيق، وقال أيضا أكد ووكد الشيء قرره، تأكد وتوكد تقرر، الأكيد: الثابت) اهـ.

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة النحل: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١]، {بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} بعد توثيقها بذكر الله تعالى. ومنه أكد بقلب الواو همزة اهـ - وقال الأشموني في شرح الألفية التوكيد هو في الأصل مصدر ويسمى به التابع المخصوص، ويقال أكد توكيدا تأكيدا، وهو بالواو أكثر.

[شرح ما تقدم]

قول صاحب اللسان أكد العهد والعقد لغة وكده نفهم منه أن التوكيد أصله بالواو. والتأكيد بالهمزة لغة فيه وقال بعضهم ليس هو لغة، وإنما أبدلت الواو همزة. فعلى القولين يقال أكدت العهد واليمين ووكدتهما توكيدا وتأكيدا فهما موكدان ومؤكدان، وقول صاحب القاموس أكد الحنطة داسها أي درسها ليتميز حبها من تبنها. والحنطة هي البُر بالضم، وتسمى القمح فالحنطة مأكودة، - وأكده تأكيدا أكد العهد أو اليمين يؤكده تأكيدا ووكده كذلك فهو موكد ومؤكد.

ووكده بالتخفيف ثلاثيًا وأكده فهو موكود وأكيد وفعيل هنا بمعنى مفعول والتوكيد التوثيق، وقول صاحب المنجد أكد ووكد العهد أو السرج شده وأوثقه، نفهم منه أن توكيد العهد واليمين توثيق معنوي وتوكيد السرج توكيد حسي، وتأكد العهد أو السرج مطاوع أكد. وعليه نقول أكدت العهد والخبر والسرج مثلا، فتأكد أي توثق وصار محكما، والعجب من صاحب اللسان وصاحب القاموس إذ أهملا فعل المطاوعة وهو تأكد ومن دواعي الأسف أنه لا يوجد عندي الآن من كتب اللغة إلا الثلاثة المذكورة، وسائر كلامه واضح - وقوله وتعالى {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: ٩١] دليل على أن التوكيد بالواو أفصح من التأكيد بالهمزة سواء أقلنا قلب الواو همزة أم قلنا أنها بدل منه، وإطلاق التوكيد في كتب النحو على التابع مجاز من باب إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل لأن التابع موكد بكسر الكاف للمتبوع فإذا قلنا جاء زيد نفسه، أو عينه لدفع احتمال أن يكون المراد جاء كتابه أو رسوله فإن النفس والعين مؤكدتان لمجيء زيد حقيقة لا مجازا وكلام الأشموني واضح، نفهم من ذلك كله أن العهد واليمين والخبر وما أشبه، يتأكد أو لا يتأكد، أما المتكلم فلا يؤكد ولا يتأكد فلا يقال أكدت فلانا فتأكد حتى يستطيع هو أن يقال أنا متأكد، بقي أن يقال إذا كان قول الكاتب أو المتكلم أنا متأكد من ذلك الأمر خطأ فما هو الصواب؟ علمنا يرحمك الله فالجواب أنه يجب أن يقول أنا مستيقن هذا الخبر أو أنا مستيقن لهذا الخبر قال تعالى في سورة النمل: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ

ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: ١٣ - ١٤] فالضمير في استيقنتها يعود على الآيات المبصرة أي البينة المذكورة قبل هذا، وقال تعالى في سورة الجاثية حكاية عن الكافرين المكذبين

بالبعث {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: ٣٢] قال صاحب اللسان: اليقين العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر، وقد أيقن يوقن إيقانا، فهو موقن، ويقن ويَيقن فهو يَقِن، واليقين نقيض الشك، والعلم نقيض الجهل، تقول علمته يقينا، وفي التنزيل {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة: ٥١] أضاف الحق إلى اليقين وليس هو من إضافة الشيء إلى نفسه، لأن الحق هو غير اليقين إنما هو خالصه واضحه فجرى مجرى إضافة البعض إلى الكل، وقوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩] أي حتى يأتيك الموت، كما قال عيسى بن مريم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: ٣١]. وقال ما دمت حيا وإن لم تكن عبادة لغير حي لأن معناه اعبد ربك أبدا، واعبده إلى الممات، وإذا أمر بذلك فقد أمر بالإقامة على العبادة، ويقنت الأمر، بالكسر، ابن سيدة: يقن الأمر يقنا ويقنا وأيقن به وتيقنه واستيقن به واستيقنه وتيقنت بالأمر واستيقنت به كله بمعنى واحد، وأنا على يقين منه وإنما صارت الياء واواً في قولك موقن للضمة قبلها وإذا صغرته رددته إلى الأصل وقلت مييقن وربما عبروا بالظن عن اليقين وباليقين عن الظن، قال أبو سدرة الأسدي ويقال:

تحسب هواس وأيقن أنني ... بها مفتقد من واحد لا إنما مره

يقول: تشمم الأسد ناقتي يظن أنني أفتدي بها منه وأستحمي نفسي فأتركها له ولا أقتحم المهالك بمقاتلته وإنما سمى الأسد هواسا لأنه يهوس الفريسة أي يدقها اهـ.

كتاب تقويم اللسانين،ص:131إلى 133.

Loading...