وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ فِي أُمَّتِهِ أُمَّةً قَائِمَةً عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَأَنَّ أُمَّتَهُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَلَا يَغْلِبُهَا مَنْ سِوَاهَا مِنَ الْأُمَمِ، بَلْ لَا تَزَالُ مَنْصُورَةً مُتَّبِعَةً لِنَبِيِّهَا الْمَهْدِيِّ الْمَنْصُورِ.
لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَنْ يَتَتَبَّعُ سَنَنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالرُّومِ وَالْمَجُوسِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ نْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، قَالَ: فَمَنْ؟» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَتَأْخُذُ أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَارِسَ وَالرُّومَ، قَالَ: فَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ» .
وَفِي الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ مُنَافِقُونَ، وَالْمُنَافِقُونَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ تَحْتَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; فَلِهَذَا كَانَ مَا ذَمَّ اللَّهُ بِهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَدْ يُوجَدُ فِي الْمُنَافِقِينَ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْإِسْلَامِ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِيْمَانَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَيُبْطِنُونَ خِلَافَ ذَلِكَ كَالْمَلَاحِدَةِ الْبَاطِنِيَّةِ، فَضْلًا عَمَّنْ يُظْهِرُ الْإِلْحَادَ مِنْهُمْ.
وَيُوجَدُ بَعْضُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبِدَعِ، مِمَّنْ هُوَ مُقِرٌّ بِعُمُومِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَاطِنًا وَظَاهِرًا، لَكِنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَا اشْتَبَهَ عَلَى هَؤُلَاءِ، فَاتَّبَعَ الْمُتَشَابِهَ، وَتَرَكَ الْمُحْكَمَ كَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ.
كتاب الجواب الصحيح لشيخ الإسلام ابن تيمية،ج:1،ص:93إلى95.