ترك محبة الرسول ومتابعته .

ترك محبة الرسول ومتابعته .

اللفظ / العبارة' ترك محبة الرسول ومتابعته .
متعلق اللفظ مسائل عقدية.
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

وجوب محبة الرسول ومتابعته]

قال المصنف رحمه الله: [واعلموا أن الله تعالى أوجب محبته ومغفرته لمتبعي رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه] .

يعني: أوجب له محبته إذا اتبع رسوله كما ذُكر في الآية الآتية.

[وجعلهم الفرقة الناجية والجماعة المتبعة] .

يعني: الذين اتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم هم الفرقة الناجية وهم الجماعة المتبعة، الفرقة الناجية من ثلاث وسبعين فرقة التي جاء في وصفها: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) يعني بأصحابه أتباعه وصحابته، فمن كان على مثل ما هو عليه فإنه من الفرقة الناجية، وكذلك الجماعة المتبعة، قد ثبت في بعض الروايات أنه قال: (كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة) ، وفسروا الجماعة بأنهم المجتمعون على الحق والخير، هؤلاء حقاً هم جماعة الإسلام وجماعة المسلمين، وقد سبق أن أشرنا إلى الأدلة على ذلك.

علامة محبة الرسول اتباعه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فقال عز وجل لمن ادعى أنه يُحب الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١]] .

هذا خطاب لمن ادعى أنه يُحب الله وليس بصادق، ذكروا أن هذه الآية نزلت رداً على اليهود والنصارى الذين يدعون أنهم أحباب الله، حكى الله تعالى ذلك في سورة المائدة، قال تعالى: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:١٨] أي: الذي نحبه ويحبنا {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} ، فلما ادعوا هذه الدعوى كان لابد من تضليلهم أو امتحانهم، فامتحنوا بهذه الآية في سورة آل عمران، وهذه الآية تسمى آية المحنة، هذا هو الصحيح، وبعضهم يسميها آية المحبة، والصواب أنها آية المحنة، أي أن الله تعالى امتحن بها من يدعي أنه يحبه، فاختبره وجعل لمحبته علامة فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] ، إذا كنتم صادقين في أنكم تحبون الله فإن لمحبة الله تعالى علامة، وهي اتباع رسله وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فحققوا الاتباع حتى تكونوا صادقين في هذا الادعاء.

أما مجرد دعوى أنكم تحبون الله ومع ذلك لا تتبعون الرسل، ولا تطيعونهم فإن هذه دعوى.

والدعاوي إن لم يقيموا عليها بينات أربابها أدعياء فلابد أن تقيموا عليها بينة، وهذه البينة جعلها الله تعالى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، والاتباع ليس هو مجرد القول؛ فإن كثيراً من الناس يقولون: نحن نحب الله ونحن نحب الرسول.

ثم نقول لهم: لماذا لا تتبعونه؟ فيقولون: نحن متبعون له ونحن مطيعون له.

فيقال: قد نقصتم في الاتباع وقصرتم فيه، وقد فاتكم كذا وكذا، وقد ارتكبتم كذا وكذا، فليس هذا هو حقاً الاتباع الواجب، الاتباع الواجب هو أن تتمسكوا بسنته، وأن تطيعوه في كل دقيق وجليل حتى تكونوا صادقين في أنكم من أتباعه حقاً.

وقد رتب الله تعالى على اتباعه الهدى، قال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:١٥٨] ، فإذا رأيت الذي يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعفوا اللحى) ومع ذلك يحلقها فقل له: أين الاتباع؟ لم تكن من المتبعين حقاً.

وإذا رأيت الذي يطيل اللباس ويجر لباسه خيلاء فقل له: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء) ، فأين الاتباع؟ وأين الموافقة؟ وأين الطاعة؟ وهكذا إذا رأيت الذي يتكبر ويفتخر بأعماله أو بجاهه وبمنصبه فقل له: ألست تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) ، فأين الطاعة؟ وأين الاتباع؟ إذاً لست حقاً من المتبعين له.

والأمثلة على ذلك كثيرة.

ثم نقول كذلك في جميع الذين يعصون الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك في جميع الذين يتركون الطاعات وهم مع ذلك يقولون: نحن أتباع الرسول، ونحن من أمة محمد ومن أهل شريعته.

فنقول: لم تحققوا هذا الانتساب والانتماء، ولم تحققوا ما ادعيتموه من أنكم تحبون الله ورسوله.

علامات صحة دعوى المحبة لله وللرسول]

ذكر عن بعض السلف أنه قال: (من ادعى محبة الله ولم يوافقه فدعواه باطلة) ، ومتى تكون دعواه صحيحة؟ إذا وافق أوامر الله وأوامر رسوله، وسأل بعضهم ذا النون المصري -وهو من التابعين-: متى أحب ربي؟ فقال: إذا كان ما يغضبه أمر عندك من الصَبِر.

والصَبِر هو هذا النبات مر المذاق، يعني: إذا كانت المعاصي أمرّ عندك من الصَبِر، ولو كانت تشتهيها النفوس وتندفع إليها، ولكنك تكرهها لأن الله تعالى حرمها.

ومعلوم أن الإنسان إذا كانت المعاصي عنده كريهة كانت الطاعات عنده لذيذة وسهلة ومحبوبة؛ لأن ربه تعالى أمر بها، ولأن الله تعالى حبب إلى عباده الطاعات وكره إليهم الكفر، كما في قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:٧] حببه إليهم فصار لذيذاً عندهم، ولو كانت تلك العبادات ثقيلة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لمحبة الله تعالى علامة، وهي مأخوذة من هذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] ، ففي الحديث الصحيح يقول: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) ، فجعل هذه الثلاث علامة على صدق المحبة وعلى صدق الإيمان وحلاوته، ومعلوم أنه إذا أحب الله ورسوله فلابد أن يُطيعه، ولابد أن يمتثل أوامره، فإذا لم يمتثل فدعواه كاذبة، ولذلك يقول بعضهم: تعصي الإله وأنت تزعم حُبه هذا عجيب في الفعال بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع فالمحبة الصادقة تستلزم طاعة المحبوب وموافقته واتباع ما أتى عنه، هذه حقاً هي علامة من يحب الله تعالى ورسوله.

كتاب اعتقاد أهل السنة،ص:9.


Loading...