أكل مال اليتيم وظلمه

أكل مال اليتيم وظلمه

اللفظ / العبارة' أكل مال اليتيم وظلمه
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

الْكَبِيرَة الثَّالِثَة عشرَة أكل مَال الْيَتِيم وظلمه

قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلماً إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا وسيصلون سعيراً} وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن حَتَّى يبلغ أشده} وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْمِعْرَاج فَإِذا أَنا بِرِجَال وَقد وكل بهم رجال يفكون لحاهم وَآخَرُونَ يجيئون بالصخور من النَّار فيقذفونها بأفواههم وَتخرج من أدبارهم فَقلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلماً إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا رَوَاهُ مُسلم وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يبْعَث الله عزوَجل قوماً من قُبُورهم تخرج النَّار من بطونهم تأجج أَفْوَاههم نَارا فَقيل من هم يَا رَسُول الله قَالَ ألم تَرَ أَن الله تَعَالَى يَقُول {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلماً إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا} وَقَالَ السدي رَحمَه الله تَعَالَى يحْشر آكل مَال الْيَتِيم ظلماً يَوْم الْقِيَامَة وَلَهَب النَّار يخرج من فِيهِ وَمن مسامعه وَأَنْفه وعينه كل من رَآهُ يعرفهُ أَنه آكل مَال الْيَتِيم قَالَ الْعلمَاء فَكل ولي ليتيم إِذا كَانَ فَقِيرا فَأكل من مَاله بِالْمَعْرُوفِ بِقدر قِيَامه عَلَيْهِ فِي مَصَالِحه وتنمية مَاله فَلَا بَأْس عَلَيْهِ وَمَا زَاد على الْمَعْرُوف فسحت حرَام لقَوْل الله تَعَالَى {وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} وَفِي الْأكل بِالْمَعْرُوفِ أَرْبَعَة أَقْوَال (أَحدهَا) أَنه الْأَخْذ على وَجه الْقَرْض (وَالثَّانِي) الْأكل بِقدر الْحَاجة من غير إِسْرَاف و (الثَّالِث) أَنه أَخذ بِقدر إِذا عمل للْيَتِيم عملاً (وَالرَّابِع) أَنه الْأَخْذ عِنْد الضَّرُورَة فَإِن أيسر قَضَاهُ وَإِن لم يوسر فَهُوَ فِي حل وَهَذِه الْأَقْوَال ذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَفْسِيره

وَفِي البُخَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَنا وكافل الْيَتِيم فِي الْجنَّة هَكَذَا وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى وَفرج بَينهمَا وَفِي صَحِيح مُسلم عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كافل الْيَتِيم لَهُ أَو لغيره أَنا وَهُوَ كهاتين فِي الْجنَّة وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى كَفَالَة الْيَتِيم هِيَ الْقيام بأموره وَالسَّعْي فِي مَصَالِحه من طَعَامه وَكسوته وتنمية مَاله إِن كَانَ لَهُ مَال وَإِن كَانَ لَا مَال لَهُ أنْفق عَلَيْهِ وكساه ابْتِغَاء وَجه الله تَعَالَى وَقَوله فِي الحَدِيث لَهُ أَو لغيره أَي سَوَاء كَانَ الْيَتِيم قرَابَة أَو أَجْنَبِيّا مِنْهُ فالقرابة مثل أَن يكفله جده أَو أَخُوهُ أَو أمه أَو عَمه أَو زوج أمه أَو خَاله أَو غَيره من أَقَاربه وَالْأَجْنَبِيّ من لَيْسَ بَينه وَبَينه قرَابَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ضم يَتِيما من الْمُسلمين إِلَى طَعَامه وَشَرَابه حَتَّى يُغْنِيه الله تَعَالَى أوجب الله لَهُ الْجنَّة إِلَّا أَن يعْمل ذَنبا لَا يغْفر وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مسح رَأس يَتِيم لَا يمسحه إِلَّا لله كَانَ لَهُ بِكُل شَعْرَة مرت عَلَيْهَا يَده حَسَنَة وَمن أحسن إِلَى يَتِيم أَو يتيمة عِنْده كنت أَنا وَهُوَ هَكَذَا فِي الْجنَّة وَقَالَ رجل لأبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أوصني بِوَصِيَّة قَالَ ارْحَمْ الْيَتِيم وأدنه مِنْك وأطعمه من طَعَامك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ رجل يشتكي قسوة قلبه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أردْت أَن يلين قَلْبك فأدن الْيَتِيم مِنْك وامسح رَأسه وأطعمه من طَعَامك فَإِن ذَلِك يلين قَلْبك وتقدر على حَاجَتك وَمِمَّا حُكيَ عَن بعض السلف قَالَ كنت فِي بداية أَمْرِي مكباً على الْمعاصِي وَشرب الْخمر فظفرت يَوْمًا بصبي يَتِيم فَقير فَأَخَذته وأحسنت أليه وَأَطْعَمته وَكسوته وأدخلته الْحمام وأزلت شعثه وأكرمته كَمَا يكرم الرجل وَلَده بل أَكثر فَبت لَيْلَة بعد ذَلِك فَرَأَيْت فِي النوم أَن الْقِيَامَة قَامَت ودعيت إِلَى الْحساب وَأمر بِي إِلَى النَّار لسوء مَا كنت عَلَيْهِ من الْمعاصِي فسحبتني الزَّبَانِيَة ليمضوا بِي إِلَى النَّار وَأَنا بَين أَيْديهم حقير ذليل يجروني سحباً إِلَى النَّار وَإِذا بذلك الْيَتِيم قد اعترضني بِالطَّرِيقِ وَقَالَ خلوا عَنهُ يَا مَلَائِكَة رَبِّي حَتَّى أشفع لَهُ إِلَى رَبِّي فَإِنَّهُ قد أحسن إِلَيّ وأكرمني فَقَالَت الْمَلَائِكَة إِنَّا لم نؤمر بذلك وَإِذا النداء من قبل الله تَعَالَى يَقُول خلوا عَنهُ فقد وهبت لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ بشفاعة الْيَتِيم وإحسانه إِلَيْهِ قَالَ فَاسْتَيْقَظت وتبت إِلَى الله عز وَجل وبذلت جهدي فِي إِيصَال الرَّحْمَة إِلَى الْأَيْتَام وَلِهَذَا قَالَ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْبيُوت بَيت فِيهِ يَتِيم يحسن إِلَيْهِ وَشر الْبيُوت بَيت فِيهِ يَتِيم يساء إِلَيْهِ وَأحب عباد الله إِلَى الله تَعَالَى من اصْطنع صنعاً إِلَى يَتِيم أَو أرملة وَرُوِيَ إِن الله تَعَالَى أوحى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَا دَاوُد كن للْيَتِيم كَالْأَبِ الرَّحِيم وَكن للأرملة كالزوج الشفيق وَاعْلَم كَمَا تزرع كَذَا تحصد مَعْنَاهُ أَنَّك كَمَا تفعل كَذَلِك يفعل مَعَك أَي لَا بُد أَن تَمُوت وَيبقى لَك ولد يَتِيم أَو امْرَأَة أرملة وَقَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فِي مناجاته إلهي مَا جَزَاء من أسْند الْيَتِيم والأرملة ابْتِغَاء وَجهك قَالَ جَزَاؤُهُ أَن أظلهُ فِي ظِلِّي يَوْم لَا ظل إِلَّا ظِلِّي مَعْنَاهُ ظل عَرْشِي يَوْم الْقِيَامَة وَمِمَّا جَاءَ فِي فضل الْإِحْسَان إِلَى الأرملة واليتيم عَن بعض العلويين وَكَانَ نازلاً ببلخ من بِلَاد الْعَجم وَله زَوْجَة علوِيَّة وَله مِنْهَا بَنَات وَكَانُوا فِي سَعَة ونعمة فَمَاتَ الزَّوْج وَأصَاب الْمَرْأَة وبناتها بعده الْفقر والقلة فَخرجت ببناتها إِلَى بَلْدَة أُخْرَى خوف شماتة الْأَعْدَاء وَاتفقَ خُرُوجهَا فِي شدَّة الْبرد فَلَمَّا دخلت ذَلِك الْبَلَد أدخلت بناتها فِي بعض الْمَسَاجِد المهجورة وَمَضَت تحتال لَهُم فِي الْقُوت فمرت بجمعين جمع على رجل مُسلم وَهُوَ شيخ الْبَلَد وَجمع على رجل مَجُوسِيّ وَهُوَ ضَامِن الْبَلَد فَبَدَأت بِالْمُسلمِ وشرحت حَالهَا لَهُ وَقَالَت أَنا امْرَأَة علوِيَّة وَمَعِي بَنَات أَيْتَام أدخلتهم بعض الْمَسَاجِد المهجورة وَأُرِيد اللَّيْلَة قوتهم فَقَالَ لَهَا أقيمي عِنْدِي الْبَيِّنَة أَنَّك علوِيَّة شريفة فَقَالَت أَنا امْرَأَة غَرِيبَة مَا فِي الْبَلَد من يعرفنِي فَأَعْرض عَنْهَا فمضت من عِنْده منكسرة الْقلب فَجَاءَت إِلَى ذَلِك الرجل الْمَجُوسِيّ فشرحت لَهُ حَالهَا وأخبرته أَن مَعهَا بَنَات أَيْتَام وَهِي امْرَأَة شريفة غَرِيبَة وقصت عَلَيْهِ مَا جرى لَهَا مَعَ الشَّيْخ الْمُسلم فَقَامَ وَأرْسل بعض نِسَائِهِ وَأتوا بهَا وبناتها إِلَى دَاره فأطعمهن أطيب الطَّعَام وألبسهن أَفْخَر اللبَاس وَبَاتُوا عِنْده فِي نعْمَة وكرامة قَالَ فَلَمَّا انتصف اللَّيْل رأى ذَلِك الشَّيْخ الْمُسلم فِي مَنَامه كَأَن الْقِيَامَة قد قَامَت وَقد عقد اللِّوَاء على رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا الْقصر من الزمرد الْأَخْضَر شرفاته من اللُّؤْلُؤ والياقوت وَفِيه قباب اللُّؤْلُؤ والمرجان فَقَالَ يَا رَسُول الله لمن هَذَا الْقصر قَالَ لرجل مُسلم موحد فَقَالَ يَا رَسُول الله أَنا رجل مُسلم موحد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقِم عِنْدِي الْبَيِّنَة أَنَّك مُسلم موحد قَالَ فَبَقيَ متحيراً فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قصدتك الْمَرْأَة العلوية قلت أقيمي عِنْدِي الْبَيِّنَة أَنَّك علوِيَّة فَكَذَا أَنْت أقِم عِنْدِي الْبَيِّنَة أَنَّك مُسلم فانتبه الرجل حَزينًا على رده الْمَرْأَة خائبة ثمَّ جعل يطوف بِالْبَلَدِ وَيسْأل عَنْهَا حَتَّى دل عَلَيْهَا أَنَّهَا عِنْد الْمَجُوسِيّ فَأرْسل إِلَيْهِ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ أُرِيد مِنْك الْمَرْأَة الشَّرِيفَة العلوية وبناتها فَقَالَ مَا إِلَى هَذَا من سَبِيل وَقد لَحِقَنِي من بركاتهم مَا لَحِقَنِي قَالَ خُذ مني ألف دِينَار وسلمهن إِلَيّ فَقَالَ لَا أفعل فَقَالَ لَا بُد مِنْهُنَّ فَقَالَ الَّذِي تريده أَنْت أَنا أَحَق بِهِ وَالْقصر الَّذِي رَأَيْته فِي مَنَامك خلق لي أتدل عَليّ بِالْإِسْلَامِ فوَاللَّه مَا نمت البارحة أَنا وَأهل دَاري حَتَّى أسلمنَا كلنا على يَد العلوية وَرَأَيْت مثل الَّذِي رَأَيْت فِي مَنَامك وَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العلوية وبناتها عنْدك قلت نعم يَا رَسُول الله قَالَ الْقصر لَك وَلأَهل دَارك وَأَنت وَأهل دَارك من أهل الْجنَّة خلقك الله مُؤمنا فِي الْأَزَل قَالَ فَانْصَرف الْمُسلم وَبِه من الْحزن والكآبة مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله فَانْظُر رَحِمك الله إِلَى بركَة الْإِحْسَان إِلَى الأرملة والأيتام مَا أعقب صَاحبه من الْكَرَامَة فِي الدُّنْيَا وَلِهَذَا ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (السَّاعِي على الأرملة وَالْمَسَاكِين كالمجاهد فِي سَبِيل الله) قَالَ الرَّاوِي أَحْسبهُ قَالَ (وكالقائم لَا يفتر وكالصائم لَا يفْطر) والساعي عَلَيْهِم هُوَ الْقَائِم بأمورهم ومصالحهم ابْتِغَاء وَجه الله تَعَالَى وفقنا الله لذَلِك بمنه وَكَرمه إِنَّه جواد كريم رؤوف غَفُور رَحِيم

كتاب الكبائر ، ص: 65 إلى 70 .





Loading...