وأما قوله:(ونهى عن الحجامة يوم الأربعاء ويوم السبت وقال: من فعل ذلك فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه) .
فالسبت هو يوم قد أسبت الله الخلق فيه، وذلك أنه ابتدأ في خلقه يوم الأحد، فخلق الأرض في يومين، والسماء في يومين، وقدر في هذه الأيام أقواتها، فذلك أربعة أيام، فأمسك يوم الأربعاء عن جرى الأشياء، وخلق الجنة والنار يوم الخميس، ثم خلق آدم يوم الجمعة، وهو آخر خلقه، لأن هذه الأشياء كلها خلقت له، ومن أجله، ومن أجل ذريته، فختم الخلق به.
ثم لحظ إلىالخلق لحظة يوم السبت يعرفهم نفسه، ويلهمهم ربوبيته، وأقبل على الكلام، فأثنى على نفسه، ومجد نفسه، وخاطب خلقه. وذلك في الأخبار مروي. فأطرق له كل شيء وأنصت له كل شيء، وأقروا بالملك، وذلوا وانقادوان فاسبتوا من كلامه، فسمى يوم السبت، وبالأعجمية شه مشتق من الحيرة والإسبات، وهو الخدر وسنة النعاس، والسنة ريح النوم، فصار الخلق كالموقوذ من أثقال الكلام، ومنه قوله عز وجل:(وجَعلنا نومَكُم سُباتا) فإذا أسبت فهو ثقيل يحذر، فهذا في كل سبت موجود. فإذا احتجم الرجل يومئذ فإنما يحتجم في وقت ركود الدم وإسباته فيعود برصا. وأما يوم الأربعاء فهو يوم قدر الله الأقوات فيه، والدم قوت النفس وغذاؤها، فلا يخرج في وقت تقدير الأقوات فيعود برضا وفرحا.
وفي غير هذا الحديث كراهية الحجامة يوم الثلاثاء. حدثنا ابي، عن موسى بن إسماعيل، عن بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، عن أبيه: أن أبا بكرة كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فيها ساعة لا يرقأ فيها دم) .
حدثنا عبد الله بن عبد الله بن أسيد الكلابي، حدثنا زاجر بن الصلت، عن عبد الله بن حفص، عن عبد الله بن القاسم، عن أبيه: أن أبا بكرة كان ينهى عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويقول: هو اليوم الذي أنزل فيه الحديد؛ فلا يستعمل الحديد في اليوم الذي أنزل فيه، وهو يوم الدم؛ فلا يهيج الدم في يوم مهتاجه. فإذا كان يوم اهتياجه مخافة أن لا يرقأ، فكذلك لا يهيج في يوم إسباته مخافة أن يجمد وينعقد فيصير برصا.