فإنه إذا واصل ترك هدية الله، وذلك أن الله تعالى أهدى إلى هذه الأمة الغذاء المبارك، وهو السحورن جعله طعمة لهم؛ فهو تارك طعمة.. ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(السحور هو الغذاء المبارك؛ فتسحروا ولو بجرعة من ماء).
فالآدمي إنما له طعامه غدوا وعشيا، علىهذا ركب وغذى. وكذلك في الآخرة لهم رزقهم منها بكرة وعشيا. فالصائم من الأمم الماضية أمر بترك غذائه إلى عشائه فصيرها واحدة، فعطف الله على هذه الأمة فجمع لهم الغذاء والعشاء، ولم يحل بينهم وبين ذلك، وإنما أمرهم أن يقدموا هذا الغذاء قبل طلوع الفجر العشاء بمكانه في وقت يجمع لهم في صومهم الأمرين جميعا.
وسائر الأمم كانوا إذا تعشوا حرم عليهم إلى مثلها من اليوم الثاني، وكذلك كان في بدء هذه الأمة، فسمح الله لهم في ذلك، فقال:(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُم كُنتُم تَختانُونَ أَنفُسَكُم فَتابَ عَلَيكُم وَعَفا عَنكُم) . فالتوبة من الله الرحمة والعفو والجود؛ فرحم وجاد وقال:(فالآَنَ باشِرُوهُنَّ وَابتَغَوا ما كَتَبَ الله لَكُم وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتى يَتبَينَ لَكُم الخَيط الأَبيَضُ مِن الخَيطِ الأَسود مِن الفَجَر) فإذا واصل الصوم ذهب هذا كله. وأيضا خلة أخرى: إن كل يوم فرض على حدة، فإذا واصل لم يكن فصل بين الفرضين.