استقر الشرع العام لأُمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على تحريم الحلف بغير الله تعالى، وأن من حلف بغير الله فقد أشرك شركاً أصغر.
والأحاديث في النهي عن الحلف بغير الله - تعالى - بلغت مبلغ التواتر، وهي من قضايا الاعتقاد التي لا خلاف فيها بين المسلمين.
وأمام هذا جاء حديث عن طلحة بن عبيد الله، في قصة الأعرابي النجدي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:((أفلح وأبيه إن صدق)) رواه مسلم، وأبو داود، وهو في البخاري، والموطأ، وبقية السنن، دون لفظ:((وأبيه)) .
وللعلماء عن هذا اللفظ:((وأبيه)) أجوبة تسعة هي:
١. منسوخ بأحاديث التشريع العام.
٢. على تقدير محذوف:((ورب أبيه)) .
٣. خاص به - صلى الله عليه وسلم -.
٤. تصحيف من قوله:((والله)) .
٥. أن الرواية قد وردت بلفظ:((والله)) كما ذكرها ابن عبد البر في: ((التمهيد: ١٤ /٣٦٧)) .
٦. جرت بدون قصد الحلف. كما جرى: عقْرى، حلْقى، وما أشبههما.
(١) (أفلح وأبيه إن صدق: مسلم بشرح النووي: ٢/ ١٢١ تاسع حديث في صحيحه، وأبو داود بشرحه معالم السنن: ١/١٢١ - ١٢٣، وفيه الأجوبة عنه، وفي: فتح الباري: ١/١٣٢ - ١٣٣. التمهيد: ١٦ / ١٥٨. الموطأ بشرح الزرقاني: ١/٣٥٩. التمهيد: ١٤ / ٣٦٧، ١٦/ ١٨٨ - ١٩٠. تيسير العزيز الحميد: ص/٥٩١ - ٥٩٣ المجموع الثمين: ١/٩٩ - ١٠١.
٧. لفظة غير محفوظة فهي ضعيفة منكرة. قاله ابن عبد البر.
٨. لفظة غير محفوظة، فهي شاذة كما في ضعيف أبي داود.
٩. لفظ يقصد به التأكيد لا التعظيم.
وفي الباب أيضاً: حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - في مسلم، كتاب الزكاة من صحيحه، وابن ماجه برقم: ٢٧٠٦، وفيه قال:((نعم وأبيك لتًنبَّأنَّه)) .
وحديث وهب بن عقبة العامري، في قصة: الفُجيع العامري، وفيه قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ذاك وأبي الجدع)) رواه داود في كتاب الأطعمة من ((سُننه)) . وهو ضعيف.
فهذه أحاديث ثلاثة، اثنان في أبي داود، متكلم في سندها، والثالث في صحيح مسلم، وقد علمت الأجوبة عنها. ومثل هذه الوقائع النادرة لا تقضي على التشريع العام للأمة الذي بلغت به النصوص مبلغ التواتر، وجُلُّها ناهيةٌ بالنص عن الحلف بالآباء، وكلها مُعلِّلة له بأنَّه شرك، والشرك لا يدخله نسخ، ولا تخصيص، فتعين أن تكون الأحاديث المذكورة مؤولة أو منسوخة والله أعلم.