ومن الأمور التي يدخل الشيطان عليهم: ترك المباحات، وتعذيب النفس بقلة المطعم حتى ييبس البدن، مع لبس الصوف، وبمنعها الماء البارد. وما هذه طريقة رسول الله (ولا طريقة أصحابه وأتباعهم، فقد كانوا يجوعون إذا لم يجدوا، فإذا وجدوا أكلوا.
وكان رسول الله (، وهو أول الزاهدين، يأكل اللحم ويحبه، ويأكل الدجاج، ويحب الحلو والعسل، ويستعذب الماء البارد؛ فإن الماء الحار يؤذي المعدة ولا يروي.
ويُروى أن رجلاً قال: أنا لا آكل الخبيص لأني لا أقوم بشكره، فقال الحسن البصري: هذا رجل أحمق! أتراه يقوم بشكر الماء البارد؟.
وكان سفيان الثوري: إذا سافر حمل معه الحمل المشوي والفالوذج.
وينبغي الإنسان أن يعلم أن نفسه مطية ولا بد من الرفق بها ليصل إلى المقصود. وقد قال النبي) : " وإن لنفسك عليك حقاً ". وإذا كان لها حق فليأخذ لها ما يصلحها، وليترك ما يؤذيها من الشبع والإفراط في تناول الشهوة؛ فإن ذلك يؤذي البدن والدين. وليأخذ قدر القوام من غير أن يؤذي النفس. ومن كفها عن التصرف على مقتضى ما وضع في طبعها فيما يصلحها فقد آذاها إلا أنه يكفها عن الشبع المفرط والشره وما يخالف عاقبته، فإن ذلك يفسدها، فأما الكف المطلق فخطأ، ولا يلتفت إلى غير هذا فإن اتباع الشارع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته أولى ولم يكونوا يتكلفون شيئاً إن حضر طعام شهي أكلوا وحمدوا الله تعالى، وإن لم يحضر شيئاً صبروا.
وكان ابن عقيل يقول: ما أعجب أموركم في التدين، إما أهواء متبعة أو الحقوق واطراح العيال واللحوق بزوايا المساجد.
وإنما ذمهم بالتعوذ بزوايا المساجد؛ لأنهم تركوا طريق السلف من التصرف فيما يستعينون به على مصالحهم، وما يعينون به أحوالهم وأهاليهم المحاويج، وما يكف أنفسهم عن الناس. ولهم في ذلك آفات أخر.