وحرم الله سبحانه وتعالى السكر لشيئين ذكرهما في كتابه من قوله {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فأخبر الله سبحانه أنه يوجب المفسدة الناشئة من النفس بواسطة زوال العقل ويمنع المصلحة التي لا تتم إلا بالعقل وقد يكون سبب السكر ألما كما يكون لذة قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} وقد يكون سببه قوة الفرح بإدراك المحبوب بحيث يختلط كلامه وتتغير أفعاله بحيث يزول عقله وربما قتله الفرح بسبب طبيعي وهو انبساط دم القلب انبساطا خارجا عن العادة والدم حامل الحار الغريزي فيبرد القلب بسبب انبساط دمه فيحدث الموت وقد جرى هذا لأحمد بن طولون أمير مصر فإنه مر بصياد في يوم بارد وعنده بني له فرق عليهما وأمر غلامه أن يدفع إليه ما معه من الذهب فصبه في حجره ومضى فاشتد فرحه به فلم يحمل ما ورد عليه من الفرح فقضى مكانه فعاد الأمير من شأنه فوجد الرجل ميتا والصبي يبكي عند رأسه فقال من قتله فقال مر بنا رجل لا جزاه الله خيرا فصب في حجر أبي شيئا فقتله مكانه فقال الأمير صدق نحن قتلناه أتاه الغنى وهلة واحدة فعجز عن احتماله فقتله ولو أعطيناه ذلك بالتدريج لم يقتله فحرض الصبي على أن يأخذ الذهب فأبى وقال والله لا أمسك شيئا قتلي أبي
والمقصود أن السكر يوجب اللذة ويمنع العلم فمنه السكر بالأطعمة والأشربة فإن صاحبها يحصل له لذة وسرور بها يحمله على تناولها لأنها تغيب عنه عقله فتغيب عن الهموم والغموم والأحزان تلك الساعة ولكن يغلط في ذلك فإنها لا تزول ولكن تتوارى فإذا صحا عادت أعظم ما كانت وأوفره فيدعوه عودها إلى العود كما قال الشاعر
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
ومن الناس من يقصد بها منفعة البدن وهو غالط فإنه يترتب عليها من المضرة المتولدة عن السكر ما هو أعظم من تلك المنفعة بكثير واللذة الحاصلة بذكر الله والصلاة عاجلا وآجلا أعظم وأبقى وأدفع للهموم والغموم والأحزان
وتلك اللذة أجلب شيء للهموم والغموم عاجلا وآجلا ففي لذة ذكر الله والإقبال عليه والصلاة بالقلب والبدن من المنفعة الشريفةالعظيمة السالمة عن المفاسد الدافعة للمضار غنى وعوض للإنسان الذي هو إنسان عن تلك اللذة الناقصة القاصرة المانعة لما هو أكمل منها الجالبة لألم أعظم منها.