الإثبات المجمل والنفي المفصل في الأسماء والصفات.

الإثبات المجمل والنفي المفصل في الأسماء والصفات.

اللفظ / العبارة' الإثبات المجمل والنفي المفصل في الأسماء والصفات.
متعلق اللفظ مسائل عقدية.
الحكم الشرعي بدعة
القسم المناهي العملية
Content

ثم حدث بعد المائة الأولى الجهم بن صفوان (٢) وأتباعه، الذين عطلوا حقيقة أسمائه الحسنى وصفاته العلى (٣)، وسلكوا مسلك إخوانهم المعطلة الجاحدين للصانع، وصار أغلب ما يصفون به الرب هو الصفات السلبية العدمية، ولا يقرون إلّا بوجود مجمل، ثم يقرنونه بسلب ينفي الوجود.

ومن أبلغ العلوم الضرورية أن الطريقة التي بعث الله بها أنبياءه ورسله، وأنزل بها كتابه مشتملة على الإثبات المفصل والنفي المجمل، كما يقرر ذلك (٤) في كتابه: علمه وقدرته وسمعه وبصره ومشيئته ورحمته وغير ذلك، ويقول في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (٥)، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (١)، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (٢) وعلى هذا أهل العلم والإيمان أتباع المرسلين من الأولين والآخرين.

وأما طريقة هؤلاء فهي نفي مفصل ليس بكذا ولا كذا (٣)، وإثبات مجمل، يقولون: هو الوجود المطلق لا يوصف إلّا بسلب أو إضافة أو مركب منها ونحو ذلك، وكل من علم ما جاءت به الرسل، وما يقوله هؤلاء، علم أن هؤلاء في غاية المشاقة والمحادة والمحاربة لله ورسوله (٤)، وانتدب هؤلاء في تقرير شبه (٥) عقلية ينفون بها الحق، وتأولوا كتاب الله على غير تأويله، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وألحدوا في أسماء الله وآياته بحيث حملوها على ما يعلم بالاضطرار أنه خلاف مراد الله ورسوله؛ كما فعل إخوانهم القرامطة (٦)


(١) سورة مريم، الآية: ٦٥.
(٢) سورة الإخلاص، الآيتان: ٣، ٤.
(٣) ولا كذا: ساقطة من: س، ط.
(٤) في س، ط: ورسله.
(٥) في الأصل: بشبه. والمثبت من: س، ط. ولعله المناسب.
(٦) القرامطة: من الباطنية ولقبوا بذلك نسبة إلى رجل من دعاتهم يقال له: حمدان بن قرمط، ويعود في أصله إلى خوزستان -الأهواز- أظهر التقشف والزهد في أول عهده فاستمال إليه بعض الناس فسموا "قرامطة" وهؤلاء قوم تبعوا طريق الملحدين، وجحدوا الشرائع، وظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم، وعزل العقول أن تكون مدركة للحق لما يعترضها من الشبهات، والمعصوم يطلع من جهة الله على جميع أسرار الشرائع، ولا بد في كل زمان من إمام معصوم يرجع إليه.
إضافة إلى أقوالهم الباطلة وآرائهم الشنيعة في الإله والنبوة، والقيامة والتكاليف الشرعية، والتي يتضح من خلالها أنها فرقة ملحدة ضالة، وحركة باطنية هدامة.
راجع تفاصيل أخبارهم وعقيدتهم وأهدافهم: فضائح الباطنية -للغزالي - ص: ١٢ فما بعدها. القرامطة -لابن الجوزي (وهو فصل مطول عن القرامطة = السمعيات (١)، فلهذا انتدب سلف الأمة وأئمتها وغيرهم للرد عليهم وتقرير ما أثبته الله ورسوله ورد تكذيبهم وتعطيلهم، وذكروا دلائل الكتاب والسنة على بيان الحق ورد باطلهم، ولما احتج أولئك بشبه عقلية بينوا لهم -أيضًا- (٢) أن العقل يدل على فساد قولهم، وصحة ما جاءت به الرسل كما قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} (٣)، وإذا (٤) كان الأمر كذلك، فمن نهى عن بيان ما بعث الله به رسوله من الإثبات، وأمر بما أحدث من النفي الذي لا يؤثر عن الرسل، كان قد أخذ من مشاقة الله ورسوله ومحادة الله ورسوله، ومحاربة الله ورسوله، بحسب ما سعى فيه من ذلك، حيث أمر بترك ما بعث به الرسول، وبإظهار ما يشتمل على مخالفته.


= وهذا الاسم -أعني السوفسطائية- اسم المهنة التي بها يقدر الإنسان على المغالطة والتمويه والتلبيس بالقول والإيهام، وهو مركب في اليونانية من "سوفيا" وهي الحكمة، من "أسطس" وهي المموهة، فمعناها الحكمة المموهة.
راجع: التبصير في الدين -للإسفراييني- ص: ١٤٩. والصفدية -لشيخ الإسلام ابن تيمية- ١/ ٩٧ - ٩٨ ت (٢) نفس الصفحة. وص ١٧٠ - ١٧١ من هذا الكتاب. والتعريفات -للجرجاني- ص: ١١٨ - باب السين. وتاريخ الفلسفة اليونانية -ليوسف كرم- ص: ٥٧.
(١) كثيرًا ما يشير الشيخ -رحمه الله- إلى هذه العبارة في كتبه. راجع مثلًا: السبعينية ص: ٧.
ودرء تعارض العقل والنقل- ٢/ ١٥ وكلاهما لابن تيمية، أي: يفعلون فعل القرامطة، فيجعلون للنص ظاهرًا وباطنًا كي يتفق مع مذهبهم الباطل.
(٢) في س، ط: أيضًا لهم.
(٣) سورة سبأ، الآية: ٦.
(٤) في س، ط: وإن.

كتاب التسعينية ،ج1،ص،172ـ 174.

Loading...