ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة. كيف يكون هؤلاء المتأخرون ـ لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين ـ الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهايات إقدامهم بما انتهى إليه من مرامهم حيث يقول:
[الحيرة والشك من صفات المتكلمين] :
لعمري لقد طفتُ المعاهدَ كلَّها ... وسَيَّرتُ طَرْفي بين تلك المعالِمِ
فلم أرَ إلا واضعًا كفَّ حائرٍ ... على ذقَنٍ أو قارعًا سِنَّ نادمِ
[اعتراف الرازي] :
وأقروا على نفوسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم؛ كقول بعض رؤسائهم:
نهاية إقدام العقول عقالُ ... وأكثر سعي العالمين ضلالُ
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وغاية دنيانا أذى ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
[لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. أقرأُ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}[فاطر:١٠] ، وأقرأُ في النفي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:١١] ، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:١١٠] ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي] .