[قول نفاة العلو ليس له مستند من الكتاب والسنة ولا عن أحد من سلف الأمة] :
ثم ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من سلف الأمة لا من الصحابة والتابعين، ولا عن أئمة الدين ـ الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف ـ حرف واحد يخالف ذلك، لا نصًا ولا ظاهرًا.
ولم يقل أحد منهم قط: إن الله ليس في السماء، ولا أنه ليس على العرش، ولا أنه [بذاته] في كل مكان، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل ولا منفصل، ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصبع، ونحوها؛ بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات، في أعظم مجمع حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقول:«ألا هل بلغت؟». فيقولون:نعم. فيرفع أصبعه إلى السماء وينكبها[إليهم]ويقول:«اللهم اشهد»غير مرة، وأمثال ذلك كثير.
فإن كان الحق فيما يقوله هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله من هذه العبارات ونحوها دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصًا وإما ظاهرًا، فكيف يجوز على الله، ثم على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم على خير الأمة أنهم يتكلمون دائمًا بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق الذي يجب اعتقاده ولا يبوحون به قط، ولا يدلون عليه لا نصًا ولا ظاهرًا، حتى يجيء أنباط الفرس والروم وفروخ اليهود والنصارى والفلاسفة، يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف، أو كل فاضل أن يعتقدها.
لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون المتكلفون هو الاعتقاد الواجب، وهم مع ذلك أُحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم، وأن يدفعوا بمقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصًا أو ظاهرًا، لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير، بل كان وجود الكتاب والسنة ضررًا محضًا في أصل الدين.