قول الله تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ( النوع الأول)

قول الله تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ( النوع الأول)

اللفظ / العبارة' قول الله تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} ( النوع الأول)
متعلق اللفظ مسائل عقدية.
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

باب (٣٣) قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ١.


١ سورة الأعراف آية: ٩٩.
كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب ، ص:95


هذا الباب اشتمل على موضوعين:
الأول: الأمن من مكر الله.
الثاني: القنوط من رحمة الله. وكلاهما طرفا نقيض.
واستدل المؤلف للأول بقوله تعالى: "أفأمنوا". الضمير يعود على أهل القرى; لأن ما قبلها قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ، [الأعراف:٩٧-٩٩] .
فقوله: "وهم نائمون" يدل على كمال الأمن؛ لأنهم في بلادهم، وأن الخائف لا ينام، وقوله: "ضحى وهم يلعبون" يدل أيضا على كمال الأمن والرخاء وعدم الضيق; لأنه لو كان عندهم ضيق في العيش؛ لذهبوا يطلبون الرزق والعيش، وما صاروا في الضحى- في رابعة النهار- يلعبون. والاستفهامات هنا كلها للإنكار، والتعجب من حال هؤلاء; فهم نائمون، وفي رغد، ومقيمون على معاصي الله، وعلى اللهو، ذاكرون لترفهم، غافلون عن ذكر خالقهم; فهم في الليل نوم، وفي النهار لعب، فبين الله (أن هذامن مكره بهم، ولهذا قال: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّه} ِ، ثم ختم الآية بقوله: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ، فالذي يمن الله عليه بالنعم والرغد والترف وهو مقيم على معصيته يظن أنه رابح وهو في الحقيقة خاسر.

فإذا أنعم الله عليك من كل ناحية: أطعمك من جوع، وآمنك من خوف، وكساك من عري; فلا تظن أنك رابح وأنت مقيم على معصية الله، بل أنت خاسر; لأن هذا من مكر الله بك.
قوله: {إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} ، الاستثناء للحصر، وذلك لأن ما قبله مفرغ له; فالقوم فاعل، والخاسرون صفتهم.
وفي قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّه} ِ، دليل على أن لله مكرا، والمكر هو: التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، ومنه ما جاء في الحديث: (الحرب خدعة ((١) .
فإن قيل: كيف يوصف الله بالمكر، مع أن ظاهره أنه مذموم؟
قيل: إن المكر في محله محمود، يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق; فلا يجوز أن تقول: إن الله ماكر، وإنما تذكر هذه الصفة في مقام تكون فيه مدحا، مثل قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} ، وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ، [النمل:٥٠] ، ومثل قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّه} ، ولا تنفى عنه هذه الصفة على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام التي تكون مدحا؛ يوصف بها، وفي المقام التي لا تكون مدحا لا يوصف بها، وكذلك لا يسمى الله بها; فلا يقال: إن من أسماء الله الماكر.
وأما الخيانة; فلا يوصف الله بها مطلقا لأنها ذم بكل حال; إذ إنها مكر في موضع الائتمان، وهو مذموم، قال تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} ، [الأنفال: من الآية٧١] ، ولم يقل: فخانهم.
وأما الخداع; فهو كالمكر يوصف الله به حيث يكون مدحا; لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} ، [النساء: من الآية١٤٢] ، والمكر من الصفات الفعلية; لأنها تتعلق بمشيئة الله- سبحانه-.
ويستفاد من هذه الآية:
١- الحذر من النعم التي يجلبها الله للعبد لئلا تكون استدراجا; لأن كل نعمة فلله عليك وظيفة شكرها، وهي القيام بطاعة المنعم، فإذا لم تقم بها مع توافر النعم; فاعلم أن هذا من مكر الله.
٢- تحريم الأمن من مكر الله، وذلك لوجهين:
الأول: أن الجملة بصيغة الاستفهام الدال على الإنكار والتعجب.
الثاني: قوله تعالى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} .
القول المفيد على كتاب التوحيد ، ج:2  ص: 100 إلى 102 .


Loading...