قول الله تعالى: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}

قول الله تعالى: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}

اللفظ / العبارة' قول الله تعالى: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}
متعلق اللفظ مسائل عقدية.
الحكم الشرعي كفر أكبر
القسم المناهي العملية
Content

باب (٤٠) قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} ١.

قال مجاهد ما معناه: "هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي".

وقال عون بن عبد الله: "يقولون: لولا فلان لم يكن كذا". وقال قتيبة: " "يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا".

وقال أبو العباس - بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: "أن الله تعالى قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر" ٢ - الحديث وقد تقدم -: وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به.

قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقا، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير.

فيه مسائل:

الأولى: تفسير معرفة النعمة وإنكارها.

الثانية: معرفة أن هذا جار على ألسنة كثير.

الثالثة: تسمية هذا الكلام إنكارا للنعمة.

الرابعة: اجتماع الضدين في القلب.


١ سورة النحل آية: ٨٣.
٢ البخاري: الأذان (٨٤٦) , ومسلم: الإيمان (٧١) , والنسائي: الاستسقاء (١٥٢٥) , وأبو داود: الطب (٣٩٠٦) , وأحمد (٤/١١٧) , ومالك: النداء للصلاة (٤٥١) .


قوله تعالى: " يعرفون ": أي: يدركون بحواسهم أن النعمة من عند الله.
قوله: " نعمة الله ": واحدة والمراد بها الجمع; فهي ليست واحدة، بل هي لا تحصى، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} ، [إبراهيم: من الآية٣٤] ، والقاعدة الأصولية: أن المفرد المضاف يعم، والنعمة تكون بجلب المحبوبات، وتطلق أحيانا على رفع المكروهات.
قوله: " ثم ينكرونها ": أي: ينكرون إضافتها إلى الله لكونهم يضيفونها إلى السبب متناسين المسبِّب الذي هو الله - سبحانه -، وليس المعنى أنهم ينكرون هذه النعمة، مثل أن يقولوا: ما جاءنا مطر أو ولد أو صحة، ولكن ينكرونها بإضافتها إلى غير الله، متناسين الذي خلق السبب فوُجِد به المسبَّب.
قوله: "الآية": أي: إلى آخر الآية، وهي منصوبة بفعل محذوف تقديره أكمل الآية.
قوله: (وأكثرهم الكافرون) : أي أكثر العارفين بأن النعمة من الله الكافرون، أي: الجاحدون كونها من الله أو الكافرون بالله عز وجل.
وقوله: (أكثرهم) ، بعد قوله (يعرفون) ؛ الجملة الأولى أضافها إلى الكل، والثانية أضافها إلى الأكثر، وذلك لأن منهم من هو عامي لا يعرف ولا يفهم، ولكن أكثرهم يعرفون ثم يكفرون.

مناسبة هذا الباب للتوحيد:
أن من أضاف نعمة الخالق إلى غيره; فقد جعل معه شريكا في الربوبية لأنه أضافها إلى السبب على أنه فاعل، هذا من وجه، ومن وجه آخر: أنه لم يقم بالشكر الذي هو عبادة من العبادات، وترك الشكر مناف للتوحيد; لأن الواجب أن يُشْكَر الخالق المنعم - سبحانه وتعالى -، فصارت لها صلة بتوحيد الربوبية وبتوحيد العبادة; فمن حيث إضافتها إلى السبب على أنه فاعل هذا إخلال بتوحيد الربوبية، ومن حيث ترك القيام بالشكر الذي هو العبادة هذا إخلال بتوحيد الألوهية.

قوله: "قال مجاهد": هو إمام المفسرين في التابعين، عرض المصحف على ابن عباس رضي الله عنهما يوقفه عند كل آية ويسأله عن تفسيرها، وقال سفيان الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. أي: كافيك، ومع هذا; فليس معصوما عن الخطأ.
قوله: "ما معناه": أي: كلاما معناه، وعلى هذا ف "ما": نكرة موصوفة، وفيه أن الشيخ رحمه الله لم ينقله بلفظه.
قوله: "هو قول الرجل": هذا من باب التغليب والتشريف; لأن الرجل أشرف من المرأة وأحق بتوجيه الخطاب إليه منها، وإلا; فالحكم واحد.
قوله: "هذا مالي ورثته عن آبائي": ظاهر هذه الكلمة؛ أنه لا شيء فيها، فلو قال لك واحد: من أين لك هذا البيت؟ قلت: ورثته عن آبائي; فليس فيه شيء لأنه خبر محض.

لكن مراد مجاهد: أن يضيف القائل تملكه للمال إلى السبب الذي هو الإرث، متناسيا المسبِّب الذي هو الله; فبتقدير الله عز وجل أنعم على آبائك وملكوا هذا البيت، وبشرع الله عز وجل انتقل هذا البيت إلى ملكك عن طريق الإرث; فكيف تتناسى المسبِّب للأسباب القدرية والشرعية فتضيف الأمر إلى ملك آبائك وإرثك إياه بعدهم؟! فمن هنا صار هذا القول نوعا من كفر النعمة.
أما إذا كان قصد الإنسان مجرد الخبر كما سبق; فلا شيء في ذلك، ولهذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يوم الفتح: "أتنزل في دارك غدا؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل من دار أو رباع"١، فبين صلى الله عليه وسلم أن هذه الدور انتقلت إلى عقيل بالإرث. فتبين أن هناك فرقا بين إضافة الملك إلى الإنسان على سبيل الخبر، وبين إضافته إلى سببه متناسيا المسبِّب وهو الله عز وجل.

كتاب القول المفيد على كتاب التوحيد، ج:2 ص:201 إلى 203


Loading...