قول التجاني: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله من لدن آدم إلى النفخ في الصور
اللفظ / العبارة'
قول التجاني: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله من لدن آدم إلى النفخ في الصور
متعلق اللفظ
مسائل عقدية.
الحكم الشرعي
بدعة مكفرة
القسم
المناهي اللفظية
Content
ما نقله صاحب الرماح عن شيخه التجاني أنه قال إن الشيخ عبد القادر الجيلاني قال قدمي هذه على رقبة كل ولي لله وذلك خاص بأولياء زمانه أما أنا فأقول لكم: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله من لدن آدم إلى النفخ في الصور اهـ.
قال محمد تقي الدين هذه مقالة تقشعر منها الجلود قال الله تعالى في سورة القصص آية ٧٣: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) } قال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى إن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون علوا في الأرض أي ترفعا على خلق الله وتعاظما عليهم اهـ.
وقال البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه قال ابن مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه قال الحافظ في الفتح هذا التعليق وصله ابن خيثمة في تاريخه لكن أبهم العدد وكذا أخرجه ابن نمر المروزي مطولا في كتاب الإيمان له والصحابة الذين أدركهم ابن أبي مليكة من أجلهم عائشة وأختها أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة وأبو هريرة وعقبة بن الحارث والمسور بن مخزمة فهؤلاء ممن سمع منهم وقد أدرك جماعة أجل من هؤلاء كعلي بن أبى طالب وسعد بن أبي وقاص وفيه قال إبراهيم التيمي ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبا وقال البخاري ويذكر عن الحسن البصري ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق قال في الفتح هذا التعليق وصله جعفر الفريابي في كتاب صفة المنافق له من طرق متعددة بألفاظ مختلفة وقد يستشكل ترك البخاري الجزم به مع صحته عنه وذلك محمول على قاعدة ذكرها لي شيخنا أبو الفضل الحسين الحافظ رحمه لله وهي أن البخاري لا يخص صيغة التمريض بضعف الإسناد بل إذا ذكر المتن بالمعنى أو اختصره أتى بها أيضا لما علم من الخلاف في ذلك فهنا كذلك وقد أوقع اختصاره له لبعضهم الاضطراب في فهمه فقال النووي (ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق) يعني الله تعالى قال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) } وقال: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (٩٩) } وكذا شرحه ابن التين وجماعة من المتأخرين، وقرره الكرماني هكذا، فقال: ما خافه أي خاف من الله فحذف الجار وأوصل الفعل إليه ثم ساق الحافظ سند الفريابي إلى المعلى ابن زياد فقال سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق ولا مضى منافق ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن. وكان يقول من لم يخف النفاق فهو منافق. ثم ذكر الحافظ عن أحمد بن حنبل
بسنده مثله، ثم قال: وهذا موافق لأثر ابن مليكة قبله، وهو قوله: يخاف النفاق على نفسه.
[وقفة لتوضيح ما تقدم]
في هذا الكلام فوائد:
الأولى: أن البخاري رحمه الله علق خبر إبراهيم التيمي بصيغة الجزم ومن المعلوم عند أهل الحديث أن الأخبار المعلقة في صحيح البخاري أعني التي يحذف سندها كله أو بعضه مروية بأسانيد صحيحة أو حسنة وهذا الخبر يدل على أن السلف الصالح كانوا يتهمون أنفسهم ويخافون عليها من الكفر وحبوط العمل فهم أبعد الناس عن سلوك طريقة التجانيين الذين يجزمون بأنهم أولياء الله وأنهم يدخلون الجنة بغير حساب وأن شيخهم خاتم الأولياء وسيدهم وممدهم فما أبعد هذه الدعاوى عما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين وهم لعمري أولى بالاتباع من التجانيين ومن يرغب عن اتباعهم ويتمسك بطريقة التجانيين إلا من سفه نفسه.
الثانية: خبر ابن مليكة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يخافون النفاق على أنفسهم فما أبعد حالهم من حال هؤلاء التجانيين الذين ملؤوا الدنيا افتخارا واستعلاء!! وتألوا على الله وأراحوا أنفسهم من جميع التكاليف، ومن تألى على الله أكذبه، قال تعالى في سورة النساء آية ١٢٣، ١٢٤ {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤) } هذا كتاب الله ينطق عليهم بالحق فكيف نبذوه وراء ظهورهم وتمسكوا بوساوس وتخيلات مَا {أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى (٢٥) } لا معطي ولا مانع ولا خافض ولا رافع إلا الله، وعن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) رواه أحمد والترمذي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
ولعمر الله أن التجانيين لم يدينوا أنفسهم بل أتبعوها أهواءها وتمنوا على الله الأماني.
الفائدة الثالثة: قول البخاري ويذكر عن الحسن هذه الصيغة تسمى صيغة التمريض وكثير من العلماء يظن أن البخاري إذا علق حديثا بصيغة الجزم مثل قال وذكر فالحديث عنده صحيح أو حسن إلا أنه ليس على شرطه وإذا قال يقال أو يذكر فالحديث عنده غير صحيح بل ضعيف وقد بين الحافظ بالبرهان القاطع أن هذا الفهم لا يلزم أن يكون كل حديث وقع في صحيح البخاري بهذه الصيغة ضعيفا لأن البخاري يستعمل هذه الصيغة في الخبر إذا اختصره أو رواه بالمعنى ولو كان صحيحا ومن الأحاديث الصحيحة التي استعمل فيها البخاري صيغة التمريض مع صحتها هذا الحديث هذا معنى ما تقدم من كلام الحافظ.
الفائدة الرابعة: أن اختصار البخاري لخبر الحسن البصري أوقع بعض شراح البخاري ومسلم في وهم عظيم منهم النووي والكرماني وقبله ابن التين.
الفائدة الخامسة: أن الكرماني بعد ما نقل كلام ابن التين الذي يدل على أن الضميرين في أمنَّه وخافه يعودان على الله تعالى وأقره قال ما خافه أي خاف الله فحذف الجار وأوصل الفعل إليه.
قال محمد تقي الدين الهلالي: وهذه زلة نحوية عظيمة، لأن خاف يتعدى بنفسه فلا حاجة إلى تقدير الحذف قال تعالى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) } وقال تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} وقال تعالى: {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ومن ذلك تعلم أن العالم وإن عظم شأنه في العلم يقع في أخطاء فإياك والتقليد فالكمال لله تعالى.
وهناك زلة أعظم منها وهي ادعائهم أن الضمير في أمنه وخافه يعود على الله والحق أنه يعود على النفاق. وليث شعري ما فائدة قول التجاني (قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله من لدن آدم إلى النفخ في الصور) فإن أقل المؤمنين تواضعا وتأدبا مع الله ومع عباده المؤمنين لا تحدثه نفسه أن يضع قدمه منعولة أو حافية على قدم مؤمن آخر فكيف يضعها على رقبته أليس هذا غاية التحقير والإهانة وكيف يليق بمتصوف هذب نفسه وجاهدها حتى وصلت إلى الله بزعمه وطهرت من جميع الرعونات والرين والدرن أن يطأ رقاب الناس بقدميه وعهدنا بالمتصوفة كالشادلية مثلا أن يسموا أنفسهم تراب أقدام أهل الله فجاء التجانيون بعكس ذلك ألم يكفهم أنهم زعموا أن شيخهم خاتم الأولياء وسيد العارفين وممدهم وإمامهم حتى أرادوا أن يفرشوا له جميع أولياء الله الصالحين ليمشي على رقابهم بقدميه فلا إله إلا الله ماذا يبلغ الغرور بأصحابه. ولا نظن أبدا أن الشيخ عبد القادر الجيلاني قال ما نسبوه إليه وهو(قدمي هذه
على رقبة كل ولي لله) فإنه كان إماما حنبليا صافي العقيدة، محدثا فقيها، من خيار عباد الله الصالحين، وهذه ترجمته في طبقات الحنابلة ليس فيها ما ذكر، ولا تشم منها رائحة لطلب الغلو والكبرياء، ولكن من قال على الله وعلى رسوله بلا علم فكيف يتورع أن يقول على الشيخ عبد القادر ما لم يقله. وإذا فرضنا أنه قال ذلك كان ماذا، فهو ليس بمعصوم وكل واحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.