اعتقاد التجاني أنه خصص بعلوم بينه وبين النبي مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا واسطة
اللفظ / العبارة'
اعتقاد التجاني أنه خصص بعلوم بينه وبين النبي مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا واسطة
متعلق اللفظ
مسائل عقدية.
الحكم الشرعي
كفر أكبر
القسم
المناهي العملية
Content
قال صاحب الرماح ناقلا عن شيخه التجاني أنه قال:(وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إلي مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا واسطة اهـ.
أقول هذا الكلام لا يصح من وجوه:
أولها: أنه يلزم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتم هذه العلوم عن الخلفاء الراشدين من كبار الصحابة في حياته وكتمها عن خيار أمته بعد ذلك وخبأها إلى أواخر القرن الثاني عشر وخص بها الشيخ التجاني والله تعالى يقول في سورة المائدة آية ٦٧: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} قال جلال الدين في تفسيره ما نصه، يا أيها الرسول بلغ: (جميع) ما أنزل إليك من ربك، ولا تكتم منه شيئا خوفا أن تُنال بمكروه وأن لم تفعل، أي لم تبلغ جميع ما أنزل إليك فما بلغت رسالته بالإفراد والجمع لأن كتمان بعضها ككتمان كلها اهـ.
قال الجمل في حاشيته قال ابن عطية أي وإن تركت شيئا فقد تركت الكل وصار ما بلغته غير معتد به فصار المعنى وإن لم تستوفي ما أمرت بتبليغه فحكمك في العصيان وعدم الامتثال حكم من لم يبلغ شيئا أصلا قال الكرخي قوله (جميع ما أنزل إليك) أشار به إلى أن ما موصولة بمعنى الذي لا نكرة ما موصوفة لأنه مأمور بتبليغ الجميع كما قرره والنكرة لا تفي إذ تقديرها بلغ شيئا مما أنزل إليك ومن تم قالوا الدعوة مثل الصلاة إذا نقص منها ركن بطلت اهـ.
ثانيا: أن يقال إما أن تكون هذه العلوم المكتومة فيها خير للأمة أو لا خير فيها فإن كان فيها خير فكيف يحرم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ومن بعدهم إلى أواخر القرن الثاني عشر من هذا الخير وهو الرؤوف الرحيم الذي ما ترك شيئا ينفع أمته إلا بينه لهم ورغبهم فيه ولا ترك شيئا يضرهم إلا حذرهم منه كما دلت على ذلك الأخبار الصحاح وأجمع عليه السلف الصالح قال تعالى في سورة النحل آية ٤٤: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمره ربه به على أكمل وجه قال البخاري رحمه الله في تفسير آية المائدة التي تقدم ذكرها بسنده إلى عائشة رضي الله عنها (من حدثك أن محمدا كتما شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب) وهو يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وقد ذكر ابن كثير في تفسير سورة المائدة أحاديث في هذا المعنى لم أرى حاجة لذكرها. ثالثها:إن يقال هذه العلوم التي اختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيخ التجاني ما هي؟ وهل علَّمها الشيخ تلامذته ومُريديه أم كتمها عنهم؟ فإن علمهم إياها فأبرزوها لنا وإن لم يعلمهم إياها فما فائدتها وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع وعلم لا ينفع).
وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قيل له: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم معشر أهل البيت بشيء فقال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء إلا فهما يُعطاه رجل في كتاب الله وإلَّا ما في هذه الصحيفة فقرأت فإذا فيها العقل وفكاك الأسير وألا يُقتل مسلم بكافر) فإن قيل قد صح عن حذيفة وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهما بأمور كان يكتمانها فالجواب أن الذي أخبر به حذيفة أسماء المنافقين ولم يكن يكتمها عن جميع الناس إنما كان يكتمها عن عامة الناس بدليل قوله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله فقال أنشدك الله هل ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمي في أسماء المنافقين فقال لا ولا أزكي بعدك أحد وإنما كتم حذيفة أسماء المنافقين لأن المفسدة التي في ذكرها تفوق المصلحة التي في كتمنها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح وأما أبو هريرة فقد أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالفتن التي تقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقول كما في صحيح البخاري (حملت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين أما أحدها فبثثته لكم وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم) ومع ذلك باح به للخاصة فقال أعوذ بالله من حدود الستين وإمارة الصبيان وقد روى الأئمة الشيء الكثير من أخبار الفتن التي وقعت في زمن بني أمية عموما وخصوصا فثبت بذلك أن أبا هريرة لم يكن يكتمها عن الخاصة.