فِي بَيَان كَبِيرَة هجر الْمَسَاجِد

فِي بَيَان كَبِيرَة هجر الْمَسَاجِد

اللفظ / العبارة' فِي بَيَان كَبِيرَة هجر الْمَسَاجِد
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

فصل فِي بَيَان كَبِيرَة هجر الْمَسَاجِد

لقد هجر النَّاس الْمَسَاجِد وكرهوا دُخُول بيُوت الله؛ وأبغضوا الصَّلَاة فِيهَا وَاتَّخذُوا المقاهي والحوانيت والدكاكين " مَوَاطِن لجلوسهم وراحتهم ومسامراتهم وضياع أوقاتهم. وكما يُنْفقُونَ فِي هَذِه الْأَمَاكِن الْوَقْت الطَّوِيل جدا فَلَا شكّ أَنهم يُنْفقُونَ أثْنَاء هَذِه الجلسات أَمْوَالًا كَثِيرَة جدا؛ هم وأبناؤهم وأقاربهم فِي أَشد الِاحْتِيَاج إِلَى بَعْضهَا. لأَنهم لَا يربحون إِلَّا التافه الْقَلِيل مَعَ العناد الشَّديد؛ والإرهاق الطَّوِيل. فهم مخطئون وَلَا كَلَام.

وَأَشد مِنْهُم خطأ وعيباً. المنتسبون للْعلم وَالدّين؛ إِلَّا أَن الجرم أَشد؛ والذنب أشنع وأفحش. على من يَزْعمُونَ أَنهم محيوا السّنة وناشروا لوائها، ورافعوا رايتها وأعلامها، ويفخرون على أهل الأَرْض جَمِيعًا يرَوْنَ الْفضل لَهُم والسيادة على النَّاس كلهم؛ بِاتِّبَاع الْقُرْآن وَالسّنة.

هَذَا على أَن مواظبتهم طول عمرهم على أَدَاء المكتوبات فِي محَال عَمَلهم أَو فِي الْبيُوت لَا شكّ أَنَّهَا بِدعَة مُنكرَة، وضلالة قبيحة. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} .

وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ: " من سره أَن يلقى الله غَدا مُسلما فليحافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات حَيْثُ يُنَادى بِهن. فَإِن الله تَعَالَى شرع لنبيكم [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) سنَن الْهدى. وإنهن من سنَن الْهدى. وَلَو أَنكُمْ صليتم فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتخلف فِي بَيته لتركتم سنة نَبِيكُم، وَلَو تركْتُم سنة نَبِيكُم لَضَلَلْتُمْ. وَمَا من رجل يتَطَهَّر فَيحسن الطّهُور ثمَّ يعمد إِلَى مَسْجِد من هَذِه الْمَسَاجِد. إِلَّا كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة يخطوها حَسَنَة؛ وَيَرْفَعهُ بهَا دَرَجَة، ويحط عَنهُ سَيِّئَة. وَلَقَد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا مُنَافِق مَعْلُوم النِّفَاق. وَلَقَد كَانَ الرجل يُؤْتى بِهِ يهادي بَين الرجلَيْن حَتَّى يُقَام الصَّفّ " رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَفِيه " وَلَو تركْتُم سنة نَبِيكُم لكَفَرْتُمْ ".

وَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لقد هَمَمْت أَن آمُر فتيتي فيجمعوا لي حزما من حطب، ثمَّ آتِي قوما يصلونَ فِي بُيُوتهم لَيست بهم عِلّة فأحرقها عَلَيْهِم " رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ.

وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " أَتَى النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رجل أعمى فَقَالَ: يَا رَسُول الله لَيْسَ لي قَائِد يقودني إِلَى الْمَسْجِد. فَسَأَلَ رَسُول الله أَن يرخص لَهُ يُصَلِّي فِي بَيته. فَرخص لَهُ، فَلَمَّا ولى دَعَاهُ فَقَالَ: هَل تسمع النداء؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فأجب " رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ.

وَعَن أبي الشعْثَاء الْمحَاربي قَالَ: " كُنَّا قعُودا فِي الْمَسْجِد فاذن الْمُؤَذّن فَقَامَ رجل فِي الْمَسْجِد يمشي فَأتبعهُ أَبُو هُرَيْرَة بَصَره حَتَّى خرج من الْمَسْجِد. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أما هَذَا فقد عصى أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ مُسلم وَغَيره.

وَفِي الْبَاب عَن معَاذ مَرْفُوعا: " الْجفَاء كل الْجفَاء: وَالْكفْر والنفاق من سمع مُنَادِي الله يُنَادي إِلَى الصَّلَاة فَلَا يجِيبه ".

وَفِي الْبَاب أَيْضا مَرْفُوعا: بِحَسب الْمُؤمن من الشقا. والخيبة أَن يسمع الْمُؤَذّن يثوب بِالصَّلَاةِ فَلَا يجِيبه ".

فليتق الله من لَا يصلونَ إِلَّا فِي بُيُوتهم. وَهَؤُلَاء الَّذين لَا يصلونَ إِلَّا فِي محَال أَعْمَالهم.

كتاب السنن والمبتدعات ، ص:38 / 39 .

Loading...