في بيان بعض مظاهر الغلو والإسراف في تكفين الميت.

في بيان بعض مظاهر الغلو والإسراف في تكفين الميت.

اللفظ / العبارة' في بيان بعض مظاهر الغلو والإسراف في تكفين الميت.
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

أخرج الْجَمَاعَة إِلَّا ابْن مَاجَه: " أَن مُصعب بن عُمَيْر قتل يَوْم أحد وَلم يتْرك،إِلَّا نمرة فَكُنَّا إِذا غطينا بهَا رَأسه بَدَت رِجْلَاهُ، وَإِذا غطينا رجلَيْهِ بدا رَأسه، فَأمرنَا رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَن نغطي بهَا رَأسه ونجعل على رجلَيْهِ شَيْئا من الْإِذْخر ". فَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن الْوَاجِب فِي الْكَفَن ستر الْعَوْرَة فَقَط. وروى ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " إِذا ولى أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه " وَرِجَاله ثِقَات، وَرِوَايَة أَحْمد وَمُسلم: " إِذا كفن أحدكُم أَخَاهُ فليحسن كَفنه " قَالَ الْعلمَاء: لَيْسَ المُرَاد بِإِحْسَان الْكَفَن الْإِسْرَاف والغلو فِيهِ، وَإِنَّمَا المُرَاد نظافته ونقاؤه وكثافته وستره، وَأَن يكون وسطا، وَأَن لَا يكون حَقِيرًا، وَأَن يكون أَبيض لما رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلَّا النَّسَائِيّ أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " ألبسوا من ثيابكم الْبيَاض فَإِنَّهَا من خير ثيابكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم ".

وَقَالَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ: " اغسلوا ثوبي هَذَا وزيدوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فكفنوني فِيهَا، إِن الْحَيّ أَحَق بالجديد من الْمَيِّت، إِنَّمَا هُوَ للمهلة " مُخْتَصر من البُخَارِيّ.

وروى الْجَمَاعَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: " كفن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض سحُولِيَّة جدد يَمَانِية، لَيْسَ فِيهِ قَمِيص وَلَا عِمَامَة، أدرج فِيهَا إدراجا ".

[فصل]

وَقد تغالى النَّاس فِي ذَلِك غلواً فَاحِشا لَا يتَّفق مَعَ الْعقل وَلَا مَعَ الدّين، مَعَ فَقرهمْ وضنك عيشهم، وَسُوء حَالهم، يَمُوت الْمَيِّت فيهرع أَهله إِلَى الْبَقِيَّة الحقيرة ، يتركون نِسَاءَهُ وَعِيَاله يشحذون ويتضورون جوعا وَلَا يفكرون فِيمَا يقاسيه هَؤُلَاءِ البؤساء من الشَّقَاء والضياع، على أَن الَّذين فعلوا هَذِه الفعلة الشنعاء فِي مَال هَؤُلَاءِ التعساء، لَا ترق قُلُوبهم عَلَيْهِم يَوْمًا فيعاونونهم وَلَو بالتافه من المَال، كَمَا كَانُوا أبخل النَّاس وأشحهم بمساعدة هَذَا الْمَيِّت فِي أَيَّام مَرضه الطَّوِيلَة.

وَهَؤُلَاء مَا فعلوا ذَلِك ابْتِغَاء رضوَان الله، وَإِنَّمَا فَعَلُوهُ للفخر والرياء والسمعة، وليقال: كَانَ صفة كفن فلَان كَذَا وَكَذَا، وليدفعوا عَن أنفسهم بزعمهم سوء السمعة، وَطعن النَّاس فِي أعراضهم، على أَن هَذَا الْمَيِّت عَاشَ طول حَيَاته لم يلبس وَلم يَأْكُل إِلَّا الدون المهين، عَاشَ وَمَات حافيا عَارِيا جائعا.

وَمن السخافة والبرود والسماجة، أَنهم يظهرون طرف الْكَفَن من سَرِير الْمَيِّت عِنْد سيرهم إِلَى الْجَبانَة، وأشنع من هَذَا وأفحش أَنهم يخرقون هَذَا الْكَفَن الغالي بالسكين مَخَافَة سطو لصوص الْمَقَابِر على هَذَا الْمَيِّت فِي قَبره، فَهَل من سَوط يابسة، بل نعل ثَقيلَة تتسلط على رُءُوس هَؤُلَاءِ الأغفال حَتَّى ترد عَلَيْهِم عُقُولهمْ؟ .

يَا هَؤُلَاءِ: أَلا فاعلموا أَن هَذَا من أكبر الْكَبَائِر، وأفحش الجرائم، إِذْ فِيهِ مَعْصِيّة الله، وضياع الأسرة، هَذَا عين التبذير.

كتاب السنن والمبتدعات، ص : 100 إلى 102.

Loading...