في بدع زِيَارَة الْقُبُور وَتَحْرِيم رَفعهَا وَبِنَاء القباب عَلَيْهَا .

في بدع زِيَارَة الْقُبُور وَتَحْرِيم رَفعهَا وَبِنَاء القباب عَلَيْهَا .

اللفظ / العبارة' في بدع زِيَارَة الْقُبُور وَتَحْرِيم رَفعهَا وَبِنَاء القباب عَلَيْهَا .
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي بدعة
القسم المناهي العملية
Content

أما قراءتهم آيَة {وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله} الْآيَة عِنْد قبر رَسُول الله، فَهَذَا ضلال، لِأَن ذَلِك كَانَ فِي حَيَاته [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَأما بعد مماته بِأبي هُوَ وَأمي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فَلم يفعل هَذَا أحد من الصَّحَابَة وَلَا غَيرهم، وَالَّذِي يَحْكِي أَنه فعل ذَلِك رجل أَعْرَابِي وحكايته غير صَحِيحَة وموضوعة، وَإِن صحت فقد خالفها سَائِر الصَّحَابَة الَّذين هم أعلم النَّاس بِمَا يُحِبهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَهُوَ طول حَيَاته يَقُول وَيعلم مَا قدمْنَاهُ فالاقتصار عَلَيْهِ هُوَ الدّين وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ ابتداع مَرْدُود. وَكَذَا قَوْلهم: السَّلَام عَلَيْك يَا ولي الله، الْفَاتِحَة زِيَادَة فِي شرف النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَالْأَرْبَعَة الأقطاب والأنجاب والأوتاد وَحَملَة الْكتاب والأغواث وَأَصْحَاب السلسلة وَأَصْحَاب التصريف والمدركين بالكون وَسَائِر أَوْلِيَاء الله على الْعُمُوم كَافَّة جمعا يَا حَيّ يَا قيوم؛ وَيقْرَأ الْفَاتِحَة وَيمْسَح وَجهه بيدَيْهِ وينصرف بظهره - لَا شكّ أَن هَذَا كُله بدع ضلالات شركيات دميمات قبيحات. وتقبيل الْقَبْر وَالطّواف بِهِ، والتمسح بِهِ؛ والتبرك بِهِ وبترابه والانحناء عِنْده، كُله من فعل أهل الْجَاهِلِيَّة الأولى، وَلَا يقبل الْإِسْلَام مِنْهُ شَيْئا أصلا. وَقَول المتدروشين الوافدين إِلَى المدن كالقاهرة وطنطا والإسكندرية؛ لزيارة قُبُور من بهَا من الْأَوْلِيَاء والأموات عِنْد دُخُولهمْ وَعند إِرَادَة الأوبة إِلَى بِلَادهمْ: الْفَاتِحَة لجَمِيع سكان هَذِه الْبَلدة سَيِّدي فلَان وسيدي فلَان ويسميهم وَيتَوَجَّهُ إِلَيْهِم وَيُشِير وَيمْسَح كُله بدع وَهُوَ من فعل من لَا يعْقلُونَ عَن الله وَرَسُوله شَيْئا، وسفرهم هَذَا غير مَشْرُوع، وَمَا ينفقونه على ذَلِك لَا شكّ أَنهم محاسبون عَلَيْهِ حسابا عسيراً

[فصل]

اعْلَم أخي هَدَانِي الله وَإِيَّاك ووفقنا لفهم حقائق شريعتنا الغراء - أَن بِنَاء القباب على قُبُور الْمَشَايِخ، وَعمل التوابيت، وكسوتها بالأحمر والأخضر من غالي الأقمشة ونفيسها، وَعمل المقاصير النّحاس المفضضة والمذهبة وَتَعْلِيق الْقَنَادِيل والمصابيح عَلَيْهَا، وتنسيق الزينات على الْحِيطَان وَكِتَابَة الْآيَات القرآنية عَلَيْهَا، أَو اسْم المقبور، أَو الأبيات الشعرية للإشادة بِذكر الْمَيِّت، وَكَذَا بِنَاء الْمَسَاجِد عَلَيْهَا - لَا شكّ أَنه من اشتداد غضب الله على هَذِه الْأمة، ولعنها وطردها من رَحمته. وَلَا ريب أَن هَذَا من أكبر الْكَبَائِر فِي الْإِسْلَام، وأفحش الْمعاصِي الَّتِي يظنّ كثير من الطغام والجهلة والعوام أَنَّهَا من أفضل القربات، وَأعظم وَأجل الطَّاعَات، وإليكم بعض الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك، عساكم بهَا تؤمنون، ولمغزاها السَّامِي تفهمون وعَلى مقتضاها تَعْمَلُونَ.

وَلَكِن لمن أَقُول، وَلمن أكتب حقائق دين حنيف سهل سمح؟ لمن ضلت عُقُولهمْ، وسفهت أحلامهم، لمن أكتب لمن ذلت نُفُوسهم؟ ومسخت قُلُوبهم، وَاسْتَحَبُّوا الْعَمى على الْهدى، وَالْعَذَاب بالمغفرة، واستبدلوا الجنات الْعَالِيَة بالنَّار الحامية، ورضوان الله بغضبه وانتقامه، كَيفَ أكتب لأمم وشعوب رَضوا بِأَن يَكُونُوا أقل النَّاس. وأحقر النَّاس، وأرذل وأحط النَّاس؟ باعوا سيادتهم، وَبَاعُوا عزتهم وكرامتهم، وَبَاعُوا علوهم ورفعتهم، وَبَاعُوا تراث مُحَمَّد [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ، وكل مَا ترك من ملك وعروش، وَقُوَّة ودولة، وَدين وَدُنْيا، وإدارة ورئاسة وسيادة، وشهامة وشجاعة، وأنفة، وحصافة، وكياسة.

إِلَّا أَنه لَا بُد من القَوْل، وَفرض علينا أَن نقُول ونقول ونكتب ونكتب وَلَا نزال نكتب من غير ملل آملين العودة وَالرُّجُوع إِلَى الله نادمين تَائِبين معتقدين أَن الله الَّذِي يحيى الأَرْض بعد مَوتهَا، الَّذِي يبْعَث من فِي الْقُبُور قَادر على أَن يحيينا بَعْدَمَا أماتنا، لنرفع راية الْإِسْلَام عالية. ونعيد مَجدنَا الْقَدِيم.

وَهَذِه أَدِلَّة تَحْرِيم بِنَاء القباب. وَرفع الْقُبُور، وَالْكِتَابَة عَلَيْهَا، وَبينا أَنَّهَا من الْكَبَائِر، وَوُجُوب هدمها:

(١) لقد بعث رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَليّ بن أبي طَالب؛ وَأمره أَن لَا يدع تمثالا إِلَّا طمسه، وَلَا قبرا مشرفا إِلَّا سواهُ بِالْأَرْضِ. وَفِي صَحِيح مُسلم وَغَيره عَن أبي الْهياج الْأَسدي قَالَ: قَالَ لي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ. " أَلا أَبْعَثك على مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَن لَا تدع تمثالا إِلَّا طمسته، وَلَا قبرا مشرفاً إِلَّا سويته ".

(٢) وَفِي والصحيحين أَن أم سَلمَة ذكرت لرَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَنِيسَة رأتها بِأَرْض الْحَبَشَة. وَذكرت لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا من الصُّور، فَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أُولَئِكَ قوم إِذا مَاتَ فيهم العَبْد الصَّالح أَو الرجل الصَّالح بنوا على قَبره مَسْجِدا وصوروا فِيهِ تِلْكَ الصُّور، أُولَئِكَ شرار الْخلق عِنْد الله ".

(٣) وَفِي صَحِيح مُسلم عَن جُنْدُب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قبل مَوته يَقُول: " أَلا وَإِن من كَانَ قبلكُمْ كَانُوا يتخذون قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد أَفلا تَتَّخِذُوا الْقُبُور مَسَاجِد فَإِنَّمَا نهاكم عَن ذَلِك ".

(٤) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ وَهُوَ فِي سَكَرَات الْمَوْت: " لعنة الله على الْيَهُود وَالنَّصَارَى، اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد "، يحذر مَا صَنَعُوا. وَفِي لفظ: " قَاتل الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى، اتَّخذُوا قُبُور أَنْبِيَائهمْ مَسَاجِد ".

(٥) وَأخرج أَحْمد فِي مُسْنده أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " من شرار النَّاس من تُدْرِكهُمْ السَّاعَة وهم أَحيَاء، وَالَّذين يتخذون الْقُبُور مَسَاجِد ".

(٦) وَأخرج أَحْمد وَأهل السّنَن مَرْفُوعا " لعن الله زائرات الْقُبُور والمتخذين عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج ".

(٧) وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَغَيرهمَا عَن جَابر قَالَ: " نهى رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَن يجصص الْقَبْر، وَأَن يبْنى عَلَيْهِ، وَأَن يُوطأ " وَفِي رِوَايَة: " وَأَن يكْتب عَلَيْهِ ".

ثمَّ هَذِه الأضرحة، هَل هِيَ قُبُور أموات، أَو هِيَ نصب للترصيع والتهاويل والزخارف والزينات؟ وَقد قَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عيداً - لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وثنا - اللَّهُمَّ لَا تجْعَل قَبْرِي وثنا يعبد "، فلماذا ننفق عَلَيْهَا هَذِه النَّفَقَات الباهظة الْمُحرمَة، مصاريف الْقبَّة والتابوت، والأقمشة والبسط المعظمة الثمينة والمصابيح والأنوار والزخرفة. تبلغ حوالي ألف جنيه لشيخ وَاحِد؛ لَهُ فِي نظر النَّاس شَيْء من المكانة. فَانْظُر بِاللَّه وفكر، كم قبَّة وَكم تَابُوت فِي كل بلد من بِلَاد الْمُسلمين؟ فبالله عَلَيْكُم. أَلَيْسَ حفظ هَذِه الْأَمْوَال الطائلة أَنْفَع للبلاد والعباد؟

كتاب السنن والمبتدعات ص110 إلى 113.



Loading...