فَصْلٌ فِي سوء الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ.

فَصْلٌ فِي سوء الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ.

اللفظ / العبارة' فَصْلٌ فِي سوء الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ.
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
Content

[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ]

ِ) قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ: حُسْنُ الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ حَسَنٌ، ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ، ظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِأَهْلِ الشَّرِّ لَيْسَ بِحَسَنٍ، فَظَاهِرُهُ لَا يَحْرُمُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» أَنَّ اسْتِمْرَاءَ ظَنِّ السُّوءِ وَتَحْقِيقَهُ لَا يَجُوزُ، وَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْحُكْمِ فِي الشَّرْعِ بِظَنٍّ مُجَرَّدٍ بِلَا دَلِيلٍ وَلَيْسَ بِمُتَّجِهٍ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ: الظَّنُّ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَأْثَمْ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَوْلَ سُفْيَانَ هَذَا عَنْ الْمُفَسِّرِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ بِنَفْسِ الظَّنِّ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ، وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى: إنَّ الظَّنَّ مِنْهُ مَحْظُورٌ وَهُوَ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ، وَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَلِكَ سُوءُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مَحْظُورٌ، وَظَنٌّ مَأْمُورٌ بِهِ كَشَهَادَةِ الْعَدْلِ، وَتَحَرِّي الْقِبْلَةِ، وَتَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ، وَالظَّنِّ الْمُبَاحِ كَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ إنْ شَاءَ عَمِلَ بِظَنِّهِ وَإِنْ شَاءَ بِالْيَقِينِ.

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا ظَنَنْتُمْ فَلَا تُحَقِّقُوا» وَهَذَا مِنْ الظَّنِّ الَّذِي يَعْرِضُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ فِي أَخِيهِ فِيمَا يُوجِبُ الرِّيبَةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحَقِّقَهُ الظَّنُّ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ إحْسَانُ الظَّنِّ بِالْأَخِ الْمُسْلِمِ، فَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ «احْتَرِسُوا مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» فَالْمُرَادُ الِاحْتِرَاسُ بِحِفْظِ الْمَالِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَرَكْتُ بَابِي مَفْتُوحًا خَشِيتُ السُّرَّاقَ انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي.

ذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ سُوءُ الظَّنِّ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ سُفْيَانَ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مَا ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ظَنَّ الْقَبِيحِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّهُ لَا حَرَجَ بِظَنِّ الْقَبِيحِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ قَبِيحٌ.

وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ الْحَنْبَلِيُّ: لَا يَحِلُّ وَاَللَّهِ أَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِمَنْ تَرْفُضُ وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ الشَّرْعَ فِي حَالٍ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (بَابُ مَا يَكُونُ مِنْ الظَّنِّ) ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا» وَفِي لَفْظٍ " دِينِنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ " قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَا رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ. «دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَنِي بِمَالٍ إلَى أَبِي سُفْيَانَ يَقْسِمُهُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَقَالَ لِي الْتَمِسْ صَاحِبًا فَجَاءَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ وَتَلْتَمِسُ صَاحِبًا قُلْتُ أَجَلْ قَالَ: فَأَنَا لَكَ صَاحِبٌ قَالَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: قَدْ وَجَدْتُ صَاحِبًا فَقَالَ مَنْ؟ قُلْتُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فَقَالَ إذَا هَبَطْتَ بِلَادَ قَوْمِهِ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ الْقَائِلُ أَخُوكَ الْبِكْرِيُّ وَلَا تَأْمَنْهُ قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إذَا كُنَّا بِالْأَبْوَاءِ قَالَ: لِي إنِّي أُرِيدُ حَاجَةً إلَى قَوْمِي بِوَدَّانَ فَتَلَبَّثْ لِي قَلِيلًا قُلْتُ رَاشِدًا، فَلَمَّا وَلَّى ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَدَدْتُ عَلَى بَعِيرِي حَتَّى خَرَجْتُ أُوضِعُهُ، حَتَّى إذَا كُنْتُ بِالْأَصَافِرِ إذَا هُوَ يُعَارِضُنِي فِي رَهْطٍ قَالَ: فَأَوْضَعْتُ فَسَبَقْتُهُ فَلَمَّا رَآنِي قَدْ فُتُّهُ انْصَرَفُوا، وَجَاءَنِي فَقَالَ: كَانَتْ لِي إلَى قَوْمِي حَاجَةٌ قُلْتُ أَجَلْ قَالَ: وَمَضَيْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ فَدَفَعْنَا الْمَالَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ.» .

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَتَفَرَّدَ عَنْهُ عِيسَى بْنُ مَعْمَرٍ مَعَ ضَعْفِ عِيسَى وَرَوَاهُ عَنْ عِيسَى بْنِ إِسْحَاقَ بِصِيغَةِ عَنْ، وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُد عَلَى هَذَا الْخَبَرِ، وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ» .

بَابٌ (فِي الْحَذَرِ مِنْ النَّاسِ)

وَقَالَ أَيْضًا فِي بَابِ حُسْنِ الظَّنِّ: ثُمَّ رُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ شُتَيْرٍ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حُسْنُ الظَّنِّ حُسْنُ الْعِبَادَةِ» وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ صَفِيَّةَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ وَأَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ رَأَيَاهُمَا فَأَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ: «عَلَى رِسْلِكُمَا إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ فَخَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا أَوْ قَالَ شَرًّا» .

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ يَسْمَعُ مِنْ أَخِيهِ كَلِمَةً يَظُنُّ بِهَا سُوءًا وَهُوَ يَجِدُ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَيْرِ مَخْرَجًا. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَنْتَفِعُ بِنَفْسِهِ مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِظَنِّهِ.

وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ: اتَّقُوا ظَنَّ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَوْلَهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» وَسُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ عَنْ الْعَقْلِ فَقَالَ: الْإِصَابَةُ بِالظُّنُونِ وَمَعْرِفَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا كَانَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لِلَّهِ دَرُّ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّهُ لَيَنْظُرُ إلَى الْغَيْبِ مِنْ سِتْرٍ رَقِيقٍ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَأَبْغِي صَوَابَ الظَّنِّ أَعْلَمُ أَنَّهُ ... إذَا طَاشَ ظَنُّ الْمَرْءِ طَاشَتْ مَعَاذِرُهْ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجُبْنُ وَالْبُخْلُ وَالْحِرْصُ غَرَائِزُ سُوءٍ يَجْمَعُهَا كُلُّهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِنِّي بِهَا فِي كُلِّ حَالٍ لَوَاثِقٌ ... وَلَكِنَّ سُوءَ الظَّنِّ مِنْ شِدَّةِ الْحُبِّ

وَقَالَ الْمُتَنَبِّي:

إذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ ... وَصَدَّقَ مَا يَعْتَادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ

وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: الْعَقْلُ التَّجَارِبُ. وَالْحَزْمُ سُوءُ الظَّنِّ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْ كَانَ الرَّجُلُ يُصِيبُ وَلَا يُخْطِئُ وَيُحْمَدُ فِي كُلِّ مَا يَأْتِي دَاخَلَهُ الْعُجْبُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَفْرَسُ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِيمَا عَلِمْتُ ثَلَاثَةٌ: الْعَزِيزُ فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ حِينَ تَفَرَّسَ فِي يُوسُفَ {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف: ٢١] وَصَاحِبَةُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ قَالَتْ

{يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: ٢٦] وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ تَفَرَّسَ فِي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْتَخْلَفَهُ. نَظَرَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا وَهُوَ بِوَاسِطَ فِي الرَّحْبَةِ إلَى آجُرَّةٍ فَقَالَ: تَحْتَ هَذِهِ الْآجُرَّةِ دَابَّةٌ، فَنَزَعُوا الْآجُرَّةَ فَإِذَا تَحْتَهَا حَيَّةٌ مُنْطَوِيَةٌ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ مَا بَيْنَ الْآجُرَّتَيْنِ نَدِيًّا مِنْ بَيْنِ الرَّحْبَةِ فَعَلِمْتُ أَنْ تَحْتَهَا شَيْئًا يَتَنَفَّسُ، وَنَظَرَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا إلَى صَدْعٍ فِي أَرْضٍ فَقَالَ فِي هَذَا الصَّدْعِ دَابَّةٌ، فَنَظَرَ فَإِذَا فِيهِ دَابَّةٌ، فَقَالَ: الْأَرْضُ لَا تَنْصَدِعُ إلَّا عَنْ دَابَّةٍ أَوْ نَبَاتٍ. قَالَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ: مَا رَأَيْتُ قَفَا رَجُلٍ قَطُّ إلَّا عَرَفْتُ عَقْلَهُ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ خَصْلَتَانِ إذَا كَانَتَا فِي الْغُلَامِ رُجِيَتْ نَجَابَتُهُ الرَّهْبَةُ، وَالْحَيَاءُ، وَمَرَّ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِمَاءٍ فَقَالَ أَسْمَعُ صَوْتَ كَلْبٍ غَرِيبٍ قِيلَ: لَهُ كَيْفَ عَرَفْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِخُضُوعِ صَوْتِهِ وَشِدَّةِ صِيَاحِ غَيْرِهِ مِنْ الْكِلَابِ، قَالُوا فَإِذَا كَلْبٌ غَرِيبٌ مَرْبُوطٌ وَالْكِلَابُ تَنْبَحُهُ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنَا لِلْبَدِيهَةِ وَمُعَاوِيَةُ لِلْإِنَاءَةِ، وَالْمُغِيرَةُ لِلْمُعْضِلَاتِ وَزِيَادٌ لِصِغَارِ الْأُمُورِ وَكِبَارِهَا. أَرَادَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ أَنْ يُوَلِّيَ بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ الْقَضَاءَ فَاسْتَعْفَاهُ فَأَبَى أَنْ يُعْفِيَهُ فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ مَا أَحْسَنَ الْقَضَاءَ قَالَ كَذَبْتَ قَالَ: فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَوَلِّيَ الْكَذَّابِينَ. وَإِنْ كُنْتُ صَادِقًا فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَوَلِّيَ مَنْ لَا يُحْسِنُ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ. وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمِّرْ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إلَّا خِلَافِي، فَقَالَ مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ. فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: ١] حَتَّى انْقَضَتْ فَمَا كَانَ عُمَرُ يَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ هَذِهِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ» .

وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ يَعْنِي الْحَافِي قَالَ: صُحْبَةُ الْأَشْرَارِ. أَوْرَثَتْ سُوءَ الظَّنِّ بِالْأَخْيَارِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ لَا يُعْتَدُّ بِعِبَادَةِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى رَجَعَ.

الآداب الشرعية والمنح المرعية،ج:1،ص:45إلى49.

Loading...