أخرجه الطبراني (٣ / ١١٨ / ١ و١٢٣ / ١) وابن عدي (١٦٣ / ١) والمخلص في " الفوائد المنتقاة "(٦ / ٤٤ / ٢) عن سلام الطويل عن الفضل بن عطية عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا وقال المخلص: قال البغوي: هذا حديث منكر، وسلام الطويل ضعيف الحديث جدا فأشار إلى أن الآفة من سلام هذا وهو الصواب خلافا لما
ذكره ابن الجوزي في " الواهيات " على ما نقله المناوي عنه في " الفيض " حيث قال: لا يصح، وفيه آفات، سلام الطويل متروك، وكذا الفضل بن عطية، والبلاء فيه منه.
قلت: هو وإن كان ضعيفا فإنه لم يتهم بخلاف سلام الطويل فقد اتهمه غير واحد بالكذب والوضع، فالحمل فيه عليه أولى.
نعم لم يتفرد به، بل تابعه محمد بن الفضل عن أبيه به.
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان "(٢ / ٦١) والخطيب في " تاريخه "(١٤ / ٧٣) ، ألا إن محمد بن الفضل هذا كذاب أيضا فلا يفرح بمتابعته! كذبه ابن معين والفلاس وغيرهما، وكأن الحافظ السخاوي لم يطلع على هذه المتابعة فقد اقتصر في " المقاصد الحسنة "(رقم ٣٩٧) على إعلال الحديث بسلام الطويل وقال: وهو متروك، وعزاه لأبي يعلى والطبراني، وبالجملة فالحديث من هذا الوجه ضعيف جدا، لكن له شاهد بإسناد خير من هذا، رواه الحسن بن سفيان في " مسنده " وبشر بن مطر في " حديثه "(٣ / ٨٩ / ١) وابن منده في " معرفة الصحابة "(٢ / ٢٦٤ / ٢) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان" (٢ / ٧) والخطيب في "الموضح" (٢ / ٥٠) عن دريد بن نافع عن أبي منصور الفارسي مرفوعا به.
وهذا سند ضعيف، فإن أبا منصور هذا مختلف في صحبته، وقد قال البخاري: حديث مرسل، والراوي عنه دريد، قال أبو حاتم: هو شيخ كما في " الجرح والتعديل " لابنه (١ / ٢ / ٤٣٨) ، وقال ابن حبان في " الثقات " (٢ / ٨٢) : هو مستقيم الحديث، وقد اضطرب عليه فيه، فرواه من ذكرنا عنه هكذا، ورواه الخطيب من
طريق أخرى عنه عن منصور مولى ابن عباس مرفوعا. والله أعلم.
وقد روي الحديث بألفاظ وطرق أخرى لا تخلومن كذاب، أذكر ثلاثة منها:
٢٧ - " الحدة تعتري حملة القرآن لعزة القرآن في أجوافهم ".
موضوع.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (٧ / ٢٥٢٩ ـ بيروت) من طريق وهب بن وهب بسنده عن معاذ بن جبل مرفوعا به، وقال: وهب يضع الحديث.
وقال العقيلي (٤ / ٣٢٥ ـ دار الكتب) : أحاديثه كلها بواطيل.
وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " برواية ابن عدي عن معاذ، فقال المناوي:
وفيه وهب بن وهب بن كثير قال في " الميزان ": قال ابن معين: يكذب، وقال أحمد: يضع.
ثم سرد له أخبارا ختمها بهذا ثم قال: وهذه أحاديث مكذوبة. ومنها: " الحدة لا تكون إلا في صالحي أمتي وأبرارها ثم تفيء ".
موضوع.
رواه بن بشران في " الأمالي "(٢٣ / ٦٩ / ٢) عن بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك مرفوعا.
قلت: وبشر هذا كذاب.
والحديث ذكره السيوطي برواية الديلمي في " مسند الفردوس " عن أنس وقال شارحه المناوي: رواه الديلمي من حديث بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس وبشر هذا قال الذهبي: قال الدارقطني: متروك.
قلت: وزاد الذهبي في ترجمته من " الميزان ": وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير، وقال ابن حبان: يروي بشر بن الحسين عن نسخة موضوعة شبيها بمائة وخمسين حديثا.
قلت: ومنها هذا الحديث كما نقله الذهبي في ترجمته لكن بلفظ:
" ليس أحد أحق بالحدة من حامل القرآن لعزة القرآن في جوفه ".
وبهذا اللفظ رواه العقيلي في " الضعفاء "(١ / ١٤١) من طريق بشر، وساق له أحاديث أخرى وقال: وله غير حديث من هذا النحومناكير كلها.
وقد أورده السيوطي برواية أبي نصر السجزي في " الإبانة " والديلمي في " مسند الفردوس " عن أنس وتعقبه المناوي هنا بما نقلناه عن الذهبي من تكذيب أبي حاتم لبشر هذا، وزاد: وفي " اللسان " عن ابن حبان: لا ينظر في شيء رواه عن الزبير إلا على جهة التعجب، وكذبه الطيالسي.
ومن الغرائب أن السيوطي أورد حديث معاذ وحديث أنس بلفظيه في " ذيل الأحاديث الموضوعة "(ص ٢٤) مستدركا لهما على ابن الجوزي، ثم أوردهما في " الجامع الصغير "الذي نص في مقدمته أنه صانه عما تفرد به كذاب أو وضاع! وهذه كلها من رواية الكذابين! ونحوه في المناوي في" التيسير "فإنه قال في حديث أنس:
إسناده ضعيف! .
ومنها:
٢٩ - " خيار أمتي أحداؤهم الذين إذا غضبوا رجعوا ".
باطل.
رواه العقيلي في " الضعفاء "(ص ٢١٧ ـ الظاهرية) وتمام في " الفوائد "(٢٤٩ / ٢) وابن شاذان في " فوائد ابن قانع وغيره "(١٦٣ / ٢) والسلفى في " الطيوريات "(١٤٠ / ٢) من طريق عبد الله بن قنبر حدثني أبي قنبر عن علي مرفوعا وقال العقيلي عقبه: عبد الله لا يتابع على حديثه من جهة تثبت.
قلت: وعبد الله هذا قال الأزدي: تركوه، وساق له الذهبي في ترجمته هذا الحديث وقال: خبر باطل وأقره العسقلاني.
والحديث رواه الطبراني في " الأوسط " بسند فيه يغنم بن سالم بن قنبر وهو كذاب كما قال الهيثمي (٨ / ٦٨) والسخاوي (ص ١٨٧) وعزاه للبيهقى أيضا في " الشعب " واقتصر الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء "(٣ / ١٤٦) على تضعيف سند الحديث، وهو قصور، إلا أن يلاحظ أن الحديث الموضوع من أنواع الضعيف فلا
إشكال.
وخلاصة القول: إن هذه الأحاديث في الحدة كلها موضوعة إلا حديث دويد عن أبي منصور الفارسي الذي تقدم لفظه برقم (٢٦) فضعيف لإرساله. والله أعلم.
ومن آثار هذه الأحاديث السيئة أنها توحي للمرء بأن يظل على حدته وأن لا يعالجها لأنها من خلق المؤمن! وقد وقع هذا، فإنى ناظرت شيخا متخرجا من الأزهر في مسألة لا أذكرها الآن فاحتد في أثنائها، فأنكرت عليه حدته، فاحتج علي بهذا الحديث! فأخبرته بأنه ضعيف، فازداد حدة وافتخر علي بشهاداته الأزهرية، وطالبني بالشهادة التي تؤهلني لأن أنكر عليه! فقلت: قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا ... " الحديث! رواه مسلم وهو مخرج في " تخريج مشكلة الفقر "(٦٦) و" صحيح أبي داود "(١٠٣٤) وغيرهما.