إذا ذلت العرب ذل الإسلام

إذا ذلت العرب ذل الإسلام

اللفظ / العبارة' إذا ذلت العرب ذل الإسلام
متعلق اللفظ مسائل حديثية
الحكم الشرعي موضوع
القسم المناهي العملية
Content

" إذا ذلت العرب ذل الإسلام ".

موضوع.

رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (٢ / ٣٤٠) ، وكذا أبو يعلى في " مسنده " (٣ / ٤٠٢ / ١٨٨١) عن منصور بن أبي مزاحم حدثنا محمد بن الخطاب البصري عن علي ابن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا، وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (٢ / ٣٧٦) فقال: سألت أبي عن حديث رواه منصور بن أبي مزاحم فذكره قال: فسمعت أبي يقول: هذا حديث باطل ليس له أصل.

قلت: وله علتان:

الأولى: محمد بن الخطاب فإنه مجهول الحال، قال ابن أبي حاتم في " الجرح " (٣ / ٢ / ٢٤٦) : سألت أبي عنه؟ فقال: لا أعرفه، وفي " الميزان "، وقال الأزدي: منكر الحديث، ثم ساق له هذا الحديث، يشير بذلك إلى أنه منكر، وأقره الحافظ في " اللسان " وزاد عليه أن ابن الخطاب هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (٩ / ١٣٩) .

قلت: وتوثيق ابن حبان لا يعتمد عليه كما سبق التنبيه عليه مرارا وبخاصة إذا خولف! .

الأخرى: علي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف وقد مضى.

وأما قول الهيثمي في " المجمع " (١٠ / ٥٣) : رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن الخطاب البصري ضعفه الأزدي وغيره، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح.

فهذا من أوهامه رحمه الله لأن ابن جدعان ليس من رجال الصحيح، ثم هو ضعيف كما تقدم، ومنه تعلم خطأ قول المناوي في " فيض القدير ": قال العراقي في " القرب ": صحيح، ثم نقل ما ذكرت عن الهيثمي آنفا ثم قال: ورمز المصنف لضعفه باطل ... يعني أنه صحيح، ثم ناقض نفسه بنفسه في شرحه الآخر " التيسير " فقال: قال العراقي: صحيح وفيه ما فيه! واغتر بذلك السيد رشيد رضا فقال في مجلة " المنار " (١٧ / ٩٢٠) : رواه أبو يعلى بسند صحيح.

ثم رأيت الحافظ العراقي يقول في " محجة القرب في فضل العرب " (٥ / ٢ - ٥ / ١) بعد أن ساق الحديث من طريق أبي يعلى عن منصور به: ومحمد بن الخطاب بن جبير بن حية تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله، وعلي بن زيد بن جدعان مختلف فيه، وقد أخرج له مسلم في المتابعات والشواهد، وذكر في الباب المشار إليه أن محمد بن الخطاب زالت جهالة عينه برواية جماعة عنه ذكرهم، ولا يخفى أن زوال جهالة العين لا يلزم منه زوال جهالة الحال، وعلى هذا فكلام الحافظ المذكور يدل على أن الحديث ضعيف عنده للعلتين اللتين ذكرهما، فهذا التحقيق الذي ذكرته أنا يجعلني أشك في التصحيح الذي نقله المناوي عن العراقي، والحق أنه ضعيف كما رمز له السيوطي، ولولا أن في معناه ما يدل على بطلانه لاقتصرنا على تضعيفه، ذلك لأن الإسلام لا يرتبط عزه بالعرب فقط بل قد يعزه الله بغيرهم من المؤمنين كما وقع ذلك زمن الدولة العثمانية لا سيما في أو ائل أمرها فقد أعز الله بهم الإسلام حتى امتد سلطانه إلى أو اسط أو ربا، ثم لما أخذوا يحيدون عن الشريعة إلى القوانين الأو ربية (يستبدلون الأدنى بالذي هو خير) تقلص سلطانهم عن تلك البلاد وغيرها حتى لقد زال عن بلادهم! فلم يبق فيها من المظاهر التي تدل على إسلامهم إلا الشيء اليسير! فذل بذلك المسلمون جميعا بعد عزهم ودخل الكفار بلادهم واستذلوهم إلا قليلا منها، وهذه وإن سلمت من استعمارهم إياها ظاهرا فهي تستعمرها بالخفاء تحت ستار المشاريع الكثيرة كالاقتصاد ونحوه! فثبت أن الإسلام يعز ويذل بعز أهله وذله سواء كانوا عربا أو عجما، " ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى "، فاللهم أعز المسلمين وألهمهم الرجوع إلى كتابك وسنة نبيك حتى تعز بهم الإسلام.

بيد أن ذلك لا ينافي أن يكون جنس العرب أفضل من جنس سائر الأمم، بل هذا هو الذي أؤمن به وأعتقده وأدين الله به - وإن كنت ألبانيا فإني مسلم ولله الحمد - ذلك لأن ما ذكرته من أفضلية جنس العرب هو الذي عليه أهل السنة والجماعة، ويدل عليه مجموعة من الأحاديث الواردة في هذا الباب منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ".

رواه أحمد (٤ / ١٠٧) والترمذي (٤ / ٣٩٢) وصححه وأصله في " صحيح مسلم " (٧ / ٤٨) وكذا البخاري في " التاريخ الصغير " (ص ٦) من حديث واثلة بن الأسقع، وله شاهد عن العباس بن عبد المطلب، عند الترمذي وصححه، وأحمد، وآخر عن ابن عمر عند الحاكم (٤ / ٨٦) وصححه.

ولكن هذا ينبغي ألا يحمل العربي على الافتخار بجنسه، لأنه من أمور الجاهلية التي أبطلها نبينا محمد العربي صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه، كما ينبغي أن لا نجهل السبب الذي به استحق العرب الأفضلية، وهو ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم، الأمر الذي أهلهم لأن يكونوا حملة الدعوة الإسلامية إلى الأمم الأخرى، فإنه إذا عرف العربي هذا وحافظ عليه أمكنه أن يكون مثل سلفه عضوا صالحا في حمل الدعوة الإسلامية، أما إذا هو تجرد من ذلك فليس له من الفضل شيء، بل الأعجمي الذي تخلق بالأخلاق الإسلامية هو خير منه دون شك ولا ريب، إذ الفضل الحقيقي إنما هو اتباع ما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم من الإيمان والعلم، فكل من كان فيه أمكن، كان أفضل، والفضل إنما هو بالأسماء المحددة في الكتاب والسنة مثل الإسلام والإيمان والبر والتقوى والعلم، والعمل الصالح والإحسان ونحوذلك، لا بمجرد كون الإنسان عربيا أو أعجميا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: " من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " رواه مسلم، ولهذا قال الشاعر العربي:

لسنا وإن أحسابنا كرمت * * * يوما على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أو ائلنا * * * تبني ونفعل مثل ما فعلوا

وجملة القول: إن فضل العرب إنما هو لمزايا تحققت فيهم فإذا ذهبت بسبب إهمالهم لإسلامهم ذهب فضلهم، ومن أخذ بها من الأعاجم كان خيرا منهم، " لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى "، ومن هنا يظهر ضلال من يدعوإلى العروبة وهو لا يتصف بشيء من خصائصها المفضلة، بل هو أو ربي قلبا وقالبا!.

سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة،ج:1،ص:300إلى304.


Loading...