أخرجه الطيالسي في " مسنده "(٦٥٥) : حدثنا قيس عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان قال: في التوراة أن بركة الطعام الوضوء قبله، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وأخرجه أبو داود (٣٧٦١) والترمذي (١ / ٣٢٩) وعنه البغوي في " شرح
السنة " (٣ / ١٨٧ / ١) والحاكم (٤ / ١٠٦ - ١٠٧) وأحمد (٥ / ٤٤١) من طرق عن قيس بن الربيع به، وقال أبو داود: وهو ضعيف، وقال الترمذي:لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث قيس بن الربيع، وقيس يضعف في الحديث.
وقال الحاكم: تفرد به قيس بن الربيع عن أبي هاشم، وانفراده على علو محله أكثر من أن يمكن تركه في هذا الكتاب، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: مع ضعف قيس فيه إرسال.
قلت: ولم يتبين لي الإرسال الذي أشار إليه، فإن قيسا قد صرح بالتحديث عن أبي هاشم، وهذا من الرواة عن زاذان، وقيل لابن معين: ما تقول في زاذان؟ روى عن سلمان؟ قال: نعم روى عن سلمان وغيره، وهو ثبت في سلمان.
فعلة الحديث قيس هذا وبه أعله كل من ذكرنا وغيرهم، ففي " تهذيب السنن " لابن القيم (٥ / ٢٩٧ / ٢٩٨) أن مهنا سأل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال: هو منكر ما حدث به إلا قيس بن الربيع.
والحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل "(٢ / ١٠) فقال: سألت أبي عنه؟
فقال: هذا حديث منكر، لوكان هذا الحديث صحيحا، كان حديثا ويشبه هذا الحديث أحاديث أبي خالد الواسطي عمرو بن خالد، عنده من هذا النحوأحاديث موضوعة عن أبي هاشم.
قلت: وعمرو بن خالد هذا كذاب فإن كان الحديث حديثه فهو موضوع، والله أعلم.
وأما قول المنذري في " الترغيب "(٣ / ١٢٩) بعد أن ساق كلام الترمذي في قيس ابن الربيع: قيس بن الربيع صدوق وفيه كلام لسوء حفظه لا يخرج الإسناد عن حد الحسن.
قلت: وهذا كلام مردود بشهادة أولئك الفحول من الأئمة الذين خرجوه وضعفوه فهم أدري بالحديث وأعلم من المنذري، والمنذري يميل إلى التساهل في التصحيح والتحسين، وهو يشبه في هذا ابن حبان والحاكم من القدامى، والسيوطي ونحوه من المتأخرين، وفي الباب حديث آخر ولكنه منكر، تقدم برقم (١١٧) ، ثم قال المنذري: وقد كان سفيان يكره الوضوء قبل الطعام، قال البيهقي: وكذلك مالك ابن أنس كرهه، وكذلك صاحبنا الشافعي استحب تركه، واحتج بالحديث، يعني حديث ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء ثم إنه رجع فأتي بالطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ قال:" لم أصل فأتوضأ ".
رواه مسلم وأبو داود والترمذي بنحوه إلا أنهما قالا:" إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ".
قلت: فهذا دليل آخر على ضعف الحديث وهو ذهاب هؤلاء الأئمة الفقهاء إلى خلافه ومعهم ظاهر هذا الحديث الصحيح.
وقد تأول بعضهم الوضوء في هذا الحديث بمعنى غسل اليدين فقط، وهو معنى غير معروف في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى "
هذا، واختلف العلماء في مشروعية غسل اليدين قبل الطعام على قولين، منهم من استحبه، ومنهم من لم يستحبه، ومن هؤلاء سفيان الثوري فقد ذكر أبو داود عنه أنه كان يكره الوضوء قبل الطعام، قال ابن القيم: والقولان هما في مذهب أحمد وغيره، والصحيح أنه لا يستحب.
قلت: وينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على اليدين من الأوساخ ما يستدعي غسلهما، وإلا فالغسل والحالة هذه لا مسوغ للتوقف عن القول بمشروعيته، وعليه يحمل ما رواه الخلال عن أبي بكر المروذي قال: رأيت أبا عبد الله يعني الإمام أحمد يغسل يديه قبل الطعام وبعده، وإن كان على وضوء.
والخلاصة أن الغسل المذكور ليس من الأمور التعبدية، لعدم صحة الحديث به، بل هو معقول المعنى، فحيث وجد المعنى شرع وإلا فلا.
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة،ج:1،ص: 309إلى312.