عن أبي أمامة الباهلي قال - ورأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل ".
التكالب على الدنيا يورث الذل:
ذكرت في المقال السابق بعض الأحاديث الواردة في الحض على استثمار الأرض، مما
لا يدع مجالا للشك في أن الإسلام شرع ذلك للمسلمين ورغبهم فيه أيما ترغيب.
واليوم نورد بعض الأحاديث التي قد يتبادر لبعض الأذهان الضعيفة أو القلوب
المريضة أنها معارضة للأحاديث المتقدمة، وهي في الحقيقة غير منافية له،
إذا ما أحسن فهمها، وخلت النفس من اتباع هواها!
الأول: عن أبي أمامة الباهلي قال - ورأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
أخرجه البخاري في " صحيحه " (٥ / ٤ بشرح " الفتح ") ، ورواه الطبراني في
" الكبير " من طريق أخرى عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ:
" ما من أهل بيت يغدو عليهم فدان إلا ذلوا ".
ذكره في " المجمع " (٤ / ١٢٠) .
وقد وفق العلماء بين هذا الحديث والأحاديث المتقدمة في المقال المشار إليه
بوجهين اثنين:
أ - أن المراد بالذل ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة من خراج
أو عشر، فمن أدخل نفسه في ذلك فقد عرضها للذل.
قال المناوي في " الفيض ": " وليس هذا ذما للزراعة فإنها محمودة مثاب عليها
لكثرة أكل العوافي منها، إذ لا تلازم بين ذل الدنيا وحرمان ثواب البعض ".
ولهذا قال ابن التين: " هذا من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، لأن
المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث ".
ب - أنه محمول على من شغله الحرث والزرع عن القيام بالواجبات كالحرب ونحوه،
وإلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله: " باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحد الذي أمر به ".
فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب ويحمله على
التكالب على الدنيا والإخلاد إلى الأرض والإعراض عن الجهاد، كما هو مشاهد من
الكثيرين من الأغنياء.
ويؤيد هذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم:
" إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد
سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ".
سلسلة الأحاديث الصحيحية وشيء من فقهها وفوائدها.،ج:1،ص:40 إلى42.