" لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ".
رواه الترمذي (٤ / ٢٦٤) وأبو الشيخ في " الطبقات " (٢٩٨) وأبو يعلى في
" مسنده " (٢٥١ / ١) والحاكم (٤ / ٢٢٢) وأحمد (رقم ٢٥٨٩، ٤٠٤٧)
والخطيب (١ / ١٨) عن شمر بن عطية عن مغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه عن
ابن مسعود مرفوعا.
وحسنه الترمذي، وقال الحاكم " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي.
ثم رواه أحمد (رقم ٤١٨١، ٤١٧٤) من طريق أبي التياح عن ابن الأخرم رجل من طيء
عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " نهى عن التبقر في الأهل والمال ".
وتابعه أبو حمزة قال:
سمعت رجلا من طيىء يحدث عن أبيه عن عبد الله مرفوعا به.
رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (ج ٦ / ٢٠ / ٢) فزاد في السند عن أبيه
وهو الصواب لرواية شمر كذلك.
وله شاهد من رواية ليث عن نافع عن ابن عمر مرفوعا باللفظ الأول.
أخرجه المحاملي في " الأمالي " (٦٩ / ٢) ، وسنده حسن في الشواهد.
وأورده الحافظ باللفظ الأول مجزوما به في شرح حديث أنس المتقدم في المقال
السابق ثم قال:
" قال القرطبي: يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال
به عن أمر الدين، وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها
وتحصيل توابعها ".
قلت: ومما يؤيد هذا الجمع اللفظ الثاني من حديث ابن مسعود، فإن (التبقر)
التكثر والتوسع. والله أعلم.
واعلم أن هذا التكثر المفضي إلى الانصراف عن القيام بالواجبات التي منها
الجهاد في سبيل الله هو المراد بالتهلكة المذكورة في قوله تعالى (ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة) وفي ذلك نزلت الآية خلافا لما يظن كثير من الناس! فقد
قال أسلم أبو عمران:
" غزونا من المدينة، نريد القسطنطينية، (وعلى أهل مصر عقبة بن عامر) وعلى
الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة،
فحمل رجل (منا) على العدو، فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله! يلقي
بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: (إنما تأولون هذه الآية هكذا
أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، أو يبلي من نفسه!) إنما نزلت هذه الآية
فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا (بيننا خفيا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم) : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله
تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء
بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد.
قال أبو عمران:
" فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ".
١٣ - " غزونا من المدينة نريد القسطنطينية (وعلى أهل مصر عقبة بن عامر) وعلى
الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة
أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه!) إنما نزلت هذه الآية فينا
معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا (بيننا خفيا من رسول الله
صلى الله عليه وسلم) : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بالأيدي إلى
التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد.
قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ".
رواه أبو داود (١ / ٣٩٣) وابن أبي حاتم في " تفسيره " (١ / ١٠ / ٢)
والحاكم (٢ / ٢٧٥) وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي،
وقد وهما، فإن الشيخين لم يخرجا لأسلم هذا، فالحديث صحيح فقط.
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها ،ج:1،ص:45إلى 48.