أرسلني ابن عمر في حاجة، فقال: تعال حتى أودعك كما ودعني رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأرسلني في حاجة له فقال:
" أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ".
من أدبه صلى الله عليه وسلم عند التوديع:
فيه ثلاثة أحاديث: الأول عن ابن عمر، وله عنه طرق:
أ - عن قزعة قال:
أرسلني ابن عمر في حاجة، فقال: تعال حتى أودعك كما ودعني رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأرسلني في حاجة له فقال:
" أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ".
رواه أبو داود (رقم ٢٦٠٠) والحاكم (٢ / ٩٧) وأحمد (٢ / ٢٥ و ٣٨ و ١٣٦)
وابن عساكر (١٤ / ٢٩٠ / ٢ و ١٥ / ٤٦٩ / ١) عن عبد العزيز بن عمر ابن عبد
العزيز عنه.
ورجاله ثقات، لكن اختلف فيه على عبد العزيز، فرواه بعضهم هكذا، وأدخل
بعضهم بينه وبين قزعة رجلا سماه بعضهم " إسماعيل بن جرير " وسماه آخرون
" يحيى بن إسماعيل بن جرير "، وقد ساق الحافظ ابن عساكر الروايات المختلفة
في ذلك.
وقال الحافظ في " التقريب " إن الصواب قول من قال: " يحيى بن إسماعيل ".
قلت: وهو ضعيف، لكن يتقوى الحديث بالطرق الأخرى، وفي رواية لابن عساكر:
" كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي يصافحني، ثم قال: "
فذكره.
ب - عن سالم أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرا: ادن مني أودعك كما
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول: فذكره.
أخرجه الترمذي (٢ / ٢٥٥ طبع بولاق) وأحمد (٢ / ٧).
وعبد الغني المقدسي
في " الجزء الثالث والستون (٤١ / ١) " عن سعيد بن خثيم عن حنظلة عنه.
وقال الترمذي:" حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث سالم ".
قلت: وهو على شرط مسلم غير أن سعيدا قد خولف في سنده، فرواه الحاكم
(١ / ٤٤٢ و ٢ / ٩٧) عن إسحاق بن سليمان والوليد بن مسلم عن حنظلة بن
أبي سفيان عن القاسم بن محمد قال:
كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فقال: أردت سفرا، فقال: انتظر حتى أودعك:
فذكره، وقال:
" صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
ولعل الترمذي إنما استغربه من حديث سالم من أجل مخالفة هذين الثقتين: إسحاق
ابن سليمان والوليد بن مسلم لابن خثيم حيث جعله من رواية حنظلة عن سالم،
وجعلاه من رواية حنظلة عن القاسم بن محمد عنه. ولعله أصح.
وأخرجه أبو يعلى في " مسنده "(٢٧٠ / ٢) من طريق الوليد بن مسلم وحده.
ج - عن مجاهد قال:
" خرجت إلى العراق أنا ورجل معي، فشيعنا عبد الله بن عمر، فلما أراد أن
يفارقنا قال: إنه ليس معي ما أعطيكما (كذا الأصل، ولعله: أعظكما) ،
ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا استودع الله شيئا حفظه،
وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما، وخواتيم عملكما ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه "(٢٣٧٦) بسند صحيح.
هـ - عن نافع عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ودع رجلا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون
الرجل هو يدع يد النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: فذكره.
رواه الترمذي (٢ / ٢٥٥ طبع بولاق) وقال: " حديث غريب من هذا الوجه ".
قلت: يعني أنه ضعيف لخصوص هذه الطريق، وذلك لأنها من رواية إبراهيم
ابن عبد الرحمن بن زيد بن أمية عن نافع وهو أعني إبراهيم هذا مجهول.
لكنه لم ينفرد به، فقد رواه ابن ماجه (٢ / ٩٤٣ رقم ٢٨٢٦) عن ابن أبي ليلى
عنه. وابن أبي ليلى سيء الحفظ واسمه محمد بن عبد الرحمن، ولم يذكر قصة
الأخذ باليد.
١٥ - عن عبد الله الخطمي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع
الجيش، قال:
" أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ".
(عن عبد الله الخطمي) قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع الجيش، قال: فذكره.
رواه أبو داود وابن السني في " عمل اليوم والليلة "(رقم ٤٩٨) بإسناد صحيح على شرط مسلم. غير أبي جعفر الخطمي - واسمه عمير بن يزيد - وهو ثقة اتفاقا عن أبى هريرة:أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع أحدا قال:
" أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ".
أخرجه أحمد (٢ / ٣٥٨) عن ابن لهيعة عن الحسن بن ثوبان عن موسى ابن وردان عنه
قلت: ورجاله موثقون، غير أن ابن لهيعة سيء الحفظ وقد خالفه في متنه الليث
ابن سعد وسعيد بن أبي أيوب عن الحسن بن ثوبان به بلفظ:
" أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ".
وهذا عن أبي هريرة أصح وسنده جيد، رواه أحمد (١ / ٤٠٣) .
ثم رأيت ابن لهيعة قد رواه بهذا اللفظ أيضا عند ابن السني رقم (٥٠١) .
وابن ماجه (٢ / ٩٤٣ رقم ٢٨٢٥) فتأكدنا من خطئه في اللفظ الأول.
من فوائد الحديث:
يستفاد من هذا الحديث الصحيح جملة فوائد:
الأولى: مشروعية التوديع بالقول الوارد فيه " أستودع الله دينك وأمانتك
وخواتيم عملك " أو يقول: " أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ".
الثانية: الأخذ باليد الواحدة في المصافحة، وقد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة، وعلى ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة.
ففي " لسان العرب ": " والمصافحة: الأخذ باليد، والتصافح مثله، والرجل
يصافح الرجل: إذا وضع صفح كفه في صفح كفه، وصفحا كفيهما: وجهاهما، ومنه
حديث المصافحة عند اللقاء، وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه
على الوجه ".
قلت: وفي بعض الأحاديث المشار إليها ما يفيد هذا المعنى أيضا، كحديث حذيفة
مرفوعا:" إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت
خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر ".
قال المنذري (٣ / ٢٧٠) :
" رواه الطبراني في " الأوسط " ورواته لا أعلم فيهم مجروحا ".
قلت: وله شواهد يرقى بها إلى الصحة، منها: عن أنس عند الضياء المقدسي