المراد به: التلقيح الاصطناعي يطلق على عدة عمليات مختلفة يتم بموجبها تلقيح البييضة بحيوان منوي وذلك بغير طريق الاتصال الطبيعي الجنسي.
أو هو: أن يؤخذ مني الرجل ويحقن داخل المهبل، أو يؤخذ مني الرجل والمرأة معاً ويوضع في طبق اختبارٍ ثم يزرع في الرحم.
أنواع التلقيح الاصطناعي:
١ـ الطريقة الأولى: التلقيح الإصطناعي الداخلي:
وهو ما أُخذ فيه ماء الرجل وحقن في محله المناسب داخل مهبل المرأة زوجة أو غيرها. ويسمى أيضاً بالإخصاب الداخلي أو التلقيح الإخصابي الذاتي.
٢ـ الطريقة الثانية: التلقيح الاصطناعي الخارجي (طفل الأنبوب) وهو ما أخذ فيه الماء من رجل وامرأة زوجين أو غيرهما وجعلا في أنبوب أو طبق اختبار ثم تزرع في مكانها المناسب من رحم المرأة. ويسمى أيضاً: الإخصاب المعملي حيث يتم الإخصاب في وسط معملي.
الأسباب الداعية إلى التلقيح الإصطناعي:
١ ـ الأسباب الداعية إلى التلقيح الإصطناعي الداخلي:
أـ ضعف الحيوانات المنوية لدى الزوج فيجمع المني ويركز ويتم إدخاله إلى داخل الرحم في فترة الإخصاب لدى الزوجة.
ب ـ إذا كانت حموضة المهبل تقتل الحيوانات المنوية للزوج بصورة غير اعتيادية.
ج ـ إذا كان هناك تضاد مناعي بين خلايا الزوج والزوجة.
دـ إذا أصيب الزوج بالإنزال السريع أو العنة (عدم القدرة على الإيلاج) .
هـ ـ إذا كانت إفرازات عنق الرحم تعيق ولوج الحيوانات المنوية.
وـ إذا أصيب الزوج بمرض خبيث (سرطان) ويستدعي ذلك العلاج بالأشعة والعقاقير التي تؤدي إلى العقم، فتؤخذ دفعات من المني وتحفظ ثم تلقح الزوجة في الوقت المناسب.
٢ـ الأسباب الداعية إلى التلقيح الإصطناعي الخارجي:
أـ قفل أو إصابة الأنابيب في الجهتين وفشل محاولة إصلاحها جراحياً، وهذا أهم الأسباب.
ب ـ حدوث انتباذ في بطانة الرحم.
ج ـ حدوث تضاد مناعي في جهاز المرأة التناسلي (الزوجة) .
د ـ حدوث تضاد مناعي في جهاز الرجل التناسلي (الزوج) .
هـ عيوب شديدة في مني الزوج (قلة المني ـ قلة الحركة ـ كثرة الحيوانات المنوية الميتة...الخ) .
وـ أسباب مجهولة لدى الرجل أو لدى المرأة تسبب قلة الخصوبة.
ز ـ إفرازات عنق الرحم المعادية للحيوانات المنوية.
صور التلقيح الاصطناعي:
١- صور التلقيح الاصطناعي الداخلي:
أـ أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج (ولو كان ميتاً) وتحقن في الموضع المناسب داخل مهبل الزوجة أو رحمها.
ب ـ أن تؤخذ نطفة من رجل وتحقن في الموضع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخلياً. ويلجأ لهذه الصورة إذا كان الزوج عقيماً.
٢- صور من التلقيح الإصطناعي الخارجي:
أـ أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من مبيض زوجته فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته في وعاء الاختبار ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أُنبوب الإختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة لتلعق في جداره وتنمو. وهذه هي ما يسمى (طفل الأُنبوب) ويلجأ لها عندما تكون الزوجة عقيماً بسبب انسداد القناة التي تصل بين مبيضها ورحمها (قناة فالوب) .
ب ـ أن يجري تلقيح خارجي في أُنبوب الإختبار بين نطفة مأخوذة من زوج وبويضة مأخوذة من مبيض إمرأة ليست زوجته يسمونها متبرعة ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته. ويلجأ إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلاً أو معطلاً ولكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة فيه.
ج ـ أن يجري تلقيح خارجي في أُنبوب إختبار بين نطفة رجل وبويضة إمرأة ليست زوجته يسمونها متبرعة ثم تزرع اللقيحة في رحم إمرأة متزوجة. ويلجأ إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت اللقيحة فيها تعطل مبيضها لكن رحمها سليم.
د ـ أن يجرى تلقيح خارجي في وعاء الإختبار بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأةٍ تتطوع بحملها. ويلجأ لذلك حينما تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسببٍ في رحمها ولكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفاً فتتطوع امرأةٌ أخرى بالحمل عنها.
هـ هذه الصورة كسابقتها إلاّ أن المتبرعة بحمل اللقيحة هنا هي ضرة الزوجة.
الحكم الشرعي:
... أما الصورة الثانية من صور التلقيح الإصطناعي الداخلي وكذلك الصورة الثانية والثالثة والرابعة من صور التلقيح الخارجي فهي محرمة، لأن مصدر اللقيحة فيها متكون من مصدرين غير متزوجين، أو لأنها وضعت في عنق رحم إمرأة ليست زوجةً. ويبقى الكلام في الصورة الأولى من صور التلقيح الإصطناعي الداخلي، وكذلك الصورة الأولى من صور التلقيح الإصطناعي الخارجي فهذه اختلفت فيها أنظار العلماء:
١ـ فأجازها بعضهم عند الحاجة بشروط:
أ- أن يكون كشف العورة بقدر الضرورة.
ب- وأن تتولى العلاج امرأة مسلمة إن أمكن وإلاّ فامرأةٌ غير مسلمة وإلاّ فطبيب مسلم ثقة، وإلاّ فغير مسلم.
ج ـ عدم الخلوة عند العلاج.
دـ إتلاف ما زاد من الماءين.
هـ أن تتم عملية التلقيح بوجود الزوج نفسه ورضاه.
وـ اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة خشية اختلاط الأنساب، ويفضل التلقيح مباشرة
٢ـ ومنهم من قال بالتحريم.
٣ـ ومنهم قال إنها من مواطن الضرورة فلا يفتى فيها بفتوى عامة، وعلى من يبتلى سؤال من يثق بدينه وعلمه.
٤- ومن العلماء من أجاز الداخلي وتوقف في الخارجي.
الأدلة:
١- أدلة القائلين بالجواز:
أ- أن التلقيح الإصطناعي كالتلقيح الطبيعي فكل منهما يحصل به النسل بطريق شرعي.
ب ـ أن في التلقيح الإصطناعي تحقيق لمقصد شرعي وهو التكاثر.
ج ـ أنه من باب التداوي المباح في الشريعة.
٢- أدلة القائلين بالتحريم:
١ـ أن الإنجاب المعروف إنما يكون عن طريق الجماع وهو الذي أشار إليه القرآن الكريم وعبر عنه بالحرث.
٢ـ سداً للذريعة فقد تؤخذ عينة من شخص وتنسب لآخر، أو توضع في بييضة امرأةٍ أخرى.
٣ـ أن في توسيع العمل بهذه الطريقة ما يؤدي إلى تكاثر الشكوك، والمحافظة على العرض من مقاصد الشريعة.
٣ـ دليل من قال: لا يفتى فيه بفتوى عامة.
أنه من مواطن الضرورة فيحتاج إلى النظر في كل حالة وتقديرها بقدرها.
وأما مجمع الفقه فقد أجازها عند الحاجة إلاّ أنه نصح المسلمين الغيورين على دينهم ألاّ يلجئوا إلى ممارستها (أي الصور الجائزة) إلاّ في حالة الضرورة القصوى، وبمنتهى الاحتياط والحذر من اختلاط النطف أو اللقاح نظراً لما في الصناعي بوجهٍ عام من ملابسات في الصور الجائزة شرعاً، ومن احتمال اختلاط النطف واللقاح في أوعية الإختبار، ولا سيما إذا كثرت ممارسته وشاعت وانتشرت. وقد ذكر الدكتور محمد البار (حفظه الله) بعض المحاذير والأضرار الناتجة من عملية التلقيح الاصطناعي ومنها:
١ـ أن كثيراً من المتبرعين بالمني مجهولاً، ويكون مصاباً بأحد الأمراض التناسلية (١) فينتقل ذلك إلى المرأة التي تلقح بمائه.
٢ـ أن تستخدم بنوك المني مني رجل واحد مثلاً لتلقيح كثير من النساء.
٣ـ الفوضى والجهل في الأنساب نتيجة الولادة عن طريق التلقيح الاصطناعي بماء متبرع.
٤ـ استنبات الأجنة المجمدة في الثلاجة، وحتى في حال أخذ المرأة لمني زوجها المجمد بعد وفاته، فإنه ينشأ عن ذلك إشكالات في نسبة الجنين إليه وإرثه منه.
٥ـ فتح الباب لإنشاء شركات تجارية لبنوك المني.
٦ـ تكوين شركات تجارية لبيع الأرحام المستعارة.
٧ـ تم في الدول الغربية تلقيح آلاف النساء الغير متزوجات بمني حصلن عليه من البنوك.
٨ـ فتح الباب للتحكم في جنس الجنين.
٩ـ فتح الباب لزرع مبيض امرأة في محل مبيض تالف لامرأة أخرى، وزرع الخصية والرحم.
١٠- رفض المرأة صاحبة الرحم المستعار تسليم الجنين.
وأما أخذ الماء من الزوجين ووضعه في رحم زوجةٍ أخرى له بتلقيحٍ داخلي أو خارجي.
فقد أجاز هذا الصورة في أول الأمر مجلس المجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي في قراره الخامس الذي أصدره في دورته السابعة، وعلل ذلك بالحاجة. ثم تراجع عن هذا القرار وعلل سبب تراجعه بأن الزوجة التي زرعت فيها لقيحة ببيضة الزوجة الأولى قد تحمل ثانياً قبل انسداد رحمها على حمل اللقيحة من معاشرة الزوج لها في فترة متقاربة مع زرع اللقيحة وهذا يوجب اختلاط الأنساب لجهة الأم الحقيقة لكل من الحملين والتباس ما يترتب على ذلك من أحكام، وذلك في الأمرين التاليين:
١ـ أنه قد تلد في هذه الحالة توأمين، ولا نستطيع أن نميز ولدا اللقيحة من ولد معاشرة الزوج، كما أننا لا نستطيع أن نعرف أم ولد اللقيحة التي أخذت منها البييضة من أم ولد معاشرة الزوج.
٢ـ أن أحد الحملين قد يموت علقة أو مضغة ولا يسقط إلاّ مع ولادة الحمل الآخر الذي لا يعلم أيضاً أهو ولد اللقيحة أم حمل معاشرة الزوج.
أما مجلس الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي فقد ذهب إلى تحريم هذه الحالة، ومنعها منعاً باتاً لذاتها، أو لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة وغير ذلك من المحاذير الشرعية (١) .
المراجع:
١ـ أخلاقيات التلقيح الاصطناعي د. محمد البار. ٢- خلق الإنسان بين الطب والقرآن. د. محمد البار. ٣ـ فقه النوازل، د. بكر أبو زيد. ٤ـ الطبيب أدبه وفقهه د. زهير السباعي. ٥ـ الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء، د. محمد خالد منصور.
(١) - والنوازل الطبية كثيرة ومنها: الاستنساخ. وانظر قرارات الرابطة ص٢١٦ ومجلة المجمع العدد ١٠. ومجلة البحوث الفقهية ٤٢/١٤٨.
كتاب بحوث لبعض النوازل الفقهية ،ج:29،ص:1إلى 5.
(١) - والأمراض الوراثية كذلك، فاحتمال الإصابة بها كبير.