بَابُ الْإِبْعَادِ وَالِاسْتِتَارِ لِلتَّخَلِّي فِي الْفَضَاءِ
٨١ - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَكَانَ لَا يَأْتِي الْبَرَازَ حَتَّى يَغِيبَ فَلَا يُرَى» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَبِي دَاوُد: «كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» .
٨٢ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَرٍ قَالَ: «كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَايِشِ نَخْلٍ» . رَوَاهُ أَحْمَد وَمُسْلِمٌ وَابْن مَاجَهْ، وَحَايِشِ نَخْلٍ: أَيْ جَمَاعَتُهُ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ)
٨٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) . .
الْحَدِيث رِجَاله عِنْد ابْن مَاجَهْ رِجَال الصَّحِيح إلَّا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْمَلِك الْكُوفِيُّ فَقَالَ: الْبُخَارِيّ: يَكْتُب حَدِيثه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ فِي التَّقْرِيب: صَدُوق كَثِير الْوَهْم.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَن صَحِيح مِنْ حَدِيث الْمُغِيرَة بِلَفْظِ: «كَانَ إذَا ذَهَبَ أَبْعَدَ» .
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث جَابِر بِلَفْظِ: «كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» ، وَفِي إسْنَاده أَيْضًا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْمَلِك الْكُوفِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ فِي التَّقْرِيب: صَدُوقٌ كَثِيرُ الْوَهْمِ مِنْ السَّادِسَة. قَوْلُهُ: (يَأْتِي الْبَرَازَ) الْبَرَازُ بِفَتْحِ الْبَاء اسْمٌ لِلْفَضَاءِ الْوَاسِعِ مِنْ الْأَرْضِ كَنَّى بِهِ عَنْ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ كَمَا كَنَّى عَنْهَا بِالْغَائِطِ وَالْخَلَاءِ.
وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِبْعَادِ لِقَاضِي الْحَاجَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ إخْفَاءُ الْمُسْتَهْجَنِ مِنْ الْخَارِجِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ إخْفَاء الْإِخْرَاج لِأَنَّ الْكُلّ مُسْتَهْجَن.
٨٢ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن جَعْفَرٍ قَالَ: «كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَايِشِ نَخْلٍ» . رَوَاهُ أَحْمَد وَمُسْلِمٌ وَابْن مَاجَهْ، وَحَايِشِ نَخْلٍ: أَيْ جَمَاعَتُهُ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ) قَوْلُهُ: (هَدَفٌ) الْهَدَفُ مُحَرَّكَة: كُلُّ مُرْتَفَعٍ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ كَثِيبِ رَمْلٍ أَوْ جَبَلٍ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَايِشِ نَخْلٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة فَأَلْف فَيَاء مُثَنَّاة تَحْتِيَّة فَشِين مُعْجَمَة هُوَ فِي كُتُب اللُّغَة كَمَا ذَكَره الْمُصَنِّف.
وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى اسْتِحْبَاب أَنْ يَكُونَ قَاضِي الْحَاجَةِ مُسْتَتِرًا حَالَ الْفِعْلِ بِمَا يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ الْغَيْرِ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَلَعَلَّ قَضَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَاجَةِ فِي حَايِشِ النَّخْلِ فِي غَيْرِ وَقْت الثَّمَرَةِ لِمَا عِنْد الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط مِنْ طَرِيق مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْن عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَخَلَّى الرَّجُلُ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ أَوْ عَلَى ضِفَّةِ نَهْرٍ جَارٍ» .
وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَيْمُونَ إلَّا فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ وَفُرَاتٌ مَتْرُوك قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْره.
٨٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) . الْحَدِيث رَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَمَدَاره عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْحُبْرَانِيِّ الْحِمْصِيِّ وَفِيهِ اخْتِلَاف وَقِيلَ: إنَّهُ صَحَابِيٌّ وَلَا يَصِحّ، وَالرَّاوِي عَنْهُ حُصَيْن الْحُبْرَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُول وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: شَيْخ، وَذَكَره ابْن حِبَّانَ فِي الثِّقَات وَذَكَر الدَّارَقُطْنِيّ الِاخْتِلَاف فِيهِ فِي الْعِلَل. وَالْحَدِيثُ فِيهِ الْأَمْرُ بِالتَّسَتُّرِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الذِّكْرِ الَّذِي يُطْرَدُ بِهِ، فَإِذَا حَضَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمَرَ الْإِنْسَانَ بِكَشْفِ الْعَوْرَةِ وَحَسَّنَ لَهُ الْبَوْلَ فِي الْمَوَاضِعِ الصُّلْبَةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ رَشَاشِ الْبَوْلِ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلُهُ: (يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ) فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضِيَ الْحَاجَةِ بِالتَّسَتُّرِ حَالَ قَضَائِهَا مُخَالَفَةً لِلشَّيْطَانِ وَدَفْعًا لِوَسْوَسَتِهِ الَّتِي تُسَبِّبُ عَنْهَا النَّظَرَ إلَى سَوْأَةِ قَاضِي الْحَاجَةِ الْمُفْضِي إلَى إثْمِهِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ) الْكَثِيبُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة: قِطْعَة مُسْتَطِيلَة تُشْبِهُ الرَّبْوَةَ أَيْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً فَلْيَجْمَعْ مِنْ التُّرَابِ وَالرَّمَلِ قَدْرًا يَكُونُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَسْتُرهُ. قَوْلُهُ: (فَلْيَسْتَدْبِرْهُ) أَيْ يَجْعَلُهُ دُبُرَ ظُهْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ السَّاتِرَ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَكُونُ خَلْفَ الظَّهْرِ.
نيل الأوطار ،ج:1،ص:100ـ102.