لا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ .

لا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ .

اللفظ / العبارة' لا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ .
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي لا يجوز
القسم المناهي العملية
Content

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُصَرَّاةِ

٢٢٧٧ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد: «مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّاعَ مِنْ التَّمْرِ فِي مُقَابَلَةِ اللَّبَنِ وَأَنَّهُ أَخَذَ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا مَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لِقْحَةً مُصَرَّاةً أَوْ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إمَّا هِيَ وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْسِكُ بِغَيْرِ أَرْشٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ مِنْهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ)

٢٢٧٨ - (وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: " مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَرْقَانِيُّ عَلَى شَرْطِهِ وَزَادَ: مِنْ تَمْرٍ).

[بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُصَرَّاةِ]

قَوْلُهُ: (لَا تُصَرُّوا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ صَرَّيْتُ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ إذَا جَمَعْتُهُ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ صَرَرْتُ، فَقَيَّدَهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ صَرَّرْتُ لَقِيلَ: مَصْرُورَةٌ أَوْ مُصَرَّرَةٌ لَا مُصَرَّاةٌ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ سُمِعَ الْأَمْرَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِشَاهِدَيْنِ عَرَبِيَّيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ اهـ قَالَ الشَّافِعِيُّ: التَّصْرِيَةُ هِيَ رَبْطُ أَخْلَافِ الشَّاةِ أَوْ النَّاقَةِ وَتَرْكُ حَلْبِهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ لَبَنُهَا فَيَكْثُرَ فَيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهَا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا لِمَا يَرَى مِنْ كَثْرَةِ لَبَنِهَا. وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ يُقَالُ مِنْهُ: صَرَّيْتُ الْمَاءَ: إذَا حَبَسْتُهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ: التَّصْرِيَةُ: حَبْسُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ حَتَّى يَجْتَمِعَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ دُونَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ مَوَاشِيهِمْ كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ خِلَافًا لِدَاوُدَ

قَوْلُهُ: (فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ: اشْتَرَاهَا بَعْدَ التَّصْرِيَةِ قَوْلُهُ: (بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا) ظَاهِرُهُ أَن الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ لَمْ يَحْلِبْ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ التَّصْرِيَةُ لَا يُعْرَفُ غَالِبُهَا إلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ جُعِلَ قَيْدًا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَوْلُهُ: (إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا) اُسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَوْلُهُ: (وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ) الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي رَدِّهَا، وَلَكِنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّاعَ مَدْفُوعٌ ابْتِدَاءً لَا مَرْدُودٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَجَازٌ عَنْ فِعْلٍ يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ نَحْوَ سَلِّمْهَا أَوْ ادْفَعْهَا كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

أَيْ: نَاوَلْتُهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ فِعْلٌ آخَرُ يُنَاسِبُ الْمَعْطُوفَ أَيْ: رُدَّهَا وَسَلِّمْ، أَوْ أَعْطِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ كَمَا قِيلَ: إنَّ التَّقْدِيرَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ الْمَذْكُورِ: وَسَقَيْتُهُا مَاءً بَارِدًا

وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ، وَلَكِنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُ جُمْهُورِ النُّحَاةِ: إنَّ شَرْطَ الْمَفْعُولِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا فِي الْمَعْنَى نَحْوَ جِئْتُ أَنَا وَزَيْدًا وَقُمْتُ أَنَا وَزَيْدًا، نَعَمْ جَعْلُهُ مَفْعُولًا مَعَهُ صَحِيحٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ مُصَاحَبَتِهِ لِلْمَفْعُولِ بِهِ وَهُمْ الْقَلِيلُ، وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَدُّ اللَّبَنِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى صِفَتِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ وَاخْتِلَاطِهِ بِمَا تَجَدَّدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَوْلُهُ: (لِقْحَةً) هِيَ النَّاقَةُ الْحَلُوبُ أَوْ الَّتِي نَتَجَتْ قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ الْخِيَارِ هَذَا الْمِقْدَارَ، فَتُقَيَّدُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الرِّوَايَاتُ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّ الْخِيَارَ بَعْدَ الْحَلْبِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: " بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا " وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْهَادِي وَالنَّاصِرُ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ وَحَمَلُوا رِوَايَةَ الثَّلَاثِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ قَبْلَ الثَّلَاثِ قَالُوا: وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بِالتَّصْرِيَةِ فِيمَا دُونَهَا

وَاخْتَلَفُوا فِي ابْتِدَاءِ الثَّلَاثِ فَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ بَيَانِ التَّصْرِيَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْحَنَابِلَةُ وَقِيلَ: مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ التَّفَرُّقِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْفَوْرُ أَوْسَعَ مِنْ الثَّلَاثِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ مَا إذَا تَأَخَّرَ ظُهُورُ التَّصْرِيحِ إلَى آخِرِ الثَّلَاثِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ تُحْسَبَ الْمُدَّةُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفَسْخِ، وَأَنْ يَفُوتَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّوْسِيعِ بِالْمُدَّةِ اهـ قَوْلُهُ (مِنْ تَمْرٍ لَا سَمْرَاءَ) لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد: «مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ» وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الطَّعَامُ عَلَى التَّمْرِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الطَّعَامِ: الْقَمْحَ، نَفَاهُ بِقَوْلِهِ (لَا سَمْرَاءَ) وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ مَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبَزَّارِ بِلَفْظِ: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ لَا سَمْرَاءَ» وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى لَمَّا ظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الطَّعَامَ مُسَاوٍ لِلْبُرِّ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبُرِّ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الطَّعَامِ الْبُرُّ كَمَا سَلَفَ فِي الْفِطْرَةِ وَيَشْكُلُ عَلَى ذَلِكَ الْجَمْعِ أَيْضًا مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِلَفْظِ: «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَإِنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ

وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنْ الرَّاوِي وَالِاحْتِمَالُ قَادِحٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ، فَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي لَمْ تَخْتَلِفْ وَيَشْكُلُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «رُدَّهَا وَرُدَّ مَعَهَا مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا» وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْحَافِظُ بِأَنَّ إسْنَادَ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ بِالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ: (مُحَفَّلَةً) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ مِنْ التَّحْفِيلِ وَهُوَ التَّجْمِيعُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِ اللَّبَنِ يَكْثُرُ فِي ضَرْعِهَا، وَكُلُّ شَيْءٍ كَثَّرْتَهُ فَقَدْ حَفَّلْتَهُ. تَقُولُ: ضَرْعٌ حَافِلٌ: أَيْ: عَظِيمٌ وَاحْتَفَلَ الْقَوْمُ إذَا كَثُرَ جَمْعُهُمْ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَحْفَلُ. وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ

وَقَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَنْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ الَّذِي اُحْتُلِبَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ قُوتَ تِلْكَ الْبَلَدِ أَمْ لَا وَخَالَفَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَفِي فُرُوعِهَا آخَرُونَ أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَا يُرَدُّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ وَلَا يَجِبُ رَدُّ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ وَخَالَفَهُمْ زُفَرُ فَقَالَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: مُخَيَّرٌ بَيْنَ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَتَعَيَّنُ صَاعَ التَّمْرِ بَلْ قِيمَتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قَالُوا: يَتَعَيَّنُ قُوتُ الْبَلَدِ قِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ كَفَى وَأَثْبَتَ ابْنُ كَجٍّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا عَجَزَ عَنْ التَّمْرِ هَلْ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِبَلَدِهِ أَوْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا التَّمْرُ إلَيْهِ وَبِالثَّانِي قَالَتْ الْحَنَابِلَةُ اهـ

كَلَامُ الْفَتْحِ وَالْهَادَوِيَّةِ يَقُولُونَ: إنَّ الْوَاجِبَ رَدُّ اللَّبَنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَمِثْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمِثْلُ فَالْقِيمَةُ وَقَدْ اعْتَذَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ بِأَعْذَارٍ بَسَطَهَا صَاحِبُ فَتْحِ الْبَارِي وَسَنُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرَهُ بِاخْتِصَارٍ وَنَزِيدُ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْلُو عَنْ فَائِدَةِ الْعُذْرِ: الْأَوَّلُ: الطَّعْنُ فِي الْحَدِيثِ بِكَوْنِ رَاوِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالُوا: وَلَمْ يَكُنْ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُؤْخَذُ بِمَا يَرْوِيهِ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، وَبُطْلَانُ هَذَا الْعُذْرِ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِبَيَانِ وَجْهِهِ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَحْفَظِ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرِهِمْ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْفَظَهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَوْسَعَهُمْ رِوَايَةً لِاخْتِصَاصِهِ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْحِفْظِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي قِصَّةِ بَسْطِهِ لِرِدَائِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ تَفَرُّدُهُ بِشَيْءٍز

نيل الأوطار،ج:5،ص:253إلى255.

Loading...