هل يصح أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ ؟

هل يصح أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ ؟

اللفظ / العبارة' هل يصح أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ ؟
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي لا يصح
القسم المناهي العملية
Content

[بَابُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ لَا يُحَدُّ]

لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْنُ مَعَهُ إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ أَعَادَ فَسَكَتَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبِعَهُ الرَّجُلُ وَاتَّبَعْتُهُ أَنْظُرُ مَاذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِك أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَك حَدَّكَ أَوْ قَالَ: ذَنْبَكَ» .

وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَ: «إنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ فَأَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَأَقِمْ عَلَيَّ مَا شِئْتَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْكَ لَوْ سَتَرْت عَلَى نَفْسِكَ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا فَدَعَاهُ فَتَلَا عَلَيْهِ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ١١٤] إلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ فَقَالَ: لِلنَّاسِ كَافَّةً» ، هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ غَيْرُهُ

قَوْلُهُ: (إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ أَصَبْتُ ذَنْبًا أَوْجَبَ عَلَيَّ حَدًّا أَيْ عُقُوبَةً. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذَا الْحَدُّ مَعْنَاهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ، وَهِيَ هُنَا مِنْ الصَّغَائِرِ لِأَنَّهَا كَفَّرَتْهَا الصَّلَاةُ، وَلَوْ أَنَّهَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِحَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ تَسْقُطْ بِالصَّلَاةِ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ الْمُوجِبَةَ لِلْحُدُودِ لَا تَسْقُطْ حُدُودُهَا بِالصَّلَاةِ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَدُّ الْمَعْرُوفُ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَحُدَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْ مُوجِبَ الْحَدِّ وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيثَارًا لِلسَّتْرِ بَلْ اسْتَحَبَّ تَلْقِينَ الرَّجُلِ صَرِيحًا انْتَهَى

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ الْمُطْلَقِ فِي الْأَحَادِيثِ هُوَ غَيْرُ الزِّنَا وَنَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُوجِبُ الْحَدَّ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: " فَأَصَبْت مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا " فَإِنَّ هَذَا يُفَسِّرُ مَا أُبْهِمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً فَلَا يَنْبَغِي تَفْسِيرُ مَا أُبْهِمَ فِي قِصَّةٍ بِمَا فُسِّرَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى، وَتَوَجَّهَ الْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تُكَفِّرُ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ لَا يُطَالَبُ بِالتَّفْسِيرِ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ، وَلِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهَا تُدْرَأُ الْحُدُودُ بِالشُّبُهَاتِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَعْيِينِهَا فَبِالْأَوْلَى قَبْلَ التَّفْسِيرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْمَقَادِيرِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ إقَامَتِهَا مَعَ الْإِبْهَامِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَلَفَ مِنْ اسْتِفْصَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَاعِزٍ بَعْدَ أَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ زَنَى.

نيل الأوطار،ج:7،ص:121ـ122.



Loading...