[بَابُ النَّهْيِ عَنْ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ]
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِصُهَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ الرَّاوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ إنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي مَنْفَعَةً» وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذَا الْحَدِيثِ. وَحَدِيثُ عَدِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا كَمَا ذَكَرَهُ لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عَنْ عَدِيٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ الْخَذْفِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ فَاءٌ وَهُوَ الرَّمْيُ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ أَوْ بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ أَوْ عَلَى ظَاهِرِ الْوُسْطَى وَبَاطِنِ الْإِبْهَامِ. وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: خَذَفْتُ الْحَصَاةَ: رَمَيْتُهَا بَيْنَ أُصْبُعَيْكَ. وَقِيلَ فِي حَصَا الْخَذْفِ أَنْ تَجْعَلَ الْحَصَاةَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ مِنْ الْيُمْنَى وَالْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى ثُمَّ تَقْذِفُهَا بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيُمْنَى. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: خَذَفَ بِالشَّيْءِ يَخْذِفُ، قَالَ: وَالْمِخْذَفَةُ: الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا الْحَجَرُ وَيُرْمَى بِهَا الطَّيْرُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمِقْلَاعِ أَيْضًا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ.
وَالْمُرَادُ بِالْبُنْدُقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ هِيَ الَّتِي تُتَّخَذُ مِنْ طِينٍ وَتَيْبَسُ فَيُرْمَى بِهَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ. وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، [نيل الأوطار]
وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ الْبُنْدُقَةَ إلَّا مَا أَدْرَكْت ذَكَاتَهُ. قَوْلُهُ: (إنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا) قَالَ الْمُهَلَّبُ: أَبَاحَ اللَّهُ الصَّيْدَ عَلَى صِفَةٍ فَقَالَ: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: ٩٤] وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِالْبُنْدُقَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ وَقِيذُ. وَأَطْلَقَ الشَّارِعُ أَنَّ الْخَذْفَ لَا يُصَادُ بِهِ. وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ إلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ مَا قَتَلَتْهُ الْبُنْدُقَةُ وَالْحَجَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الصَّيْدَ بِقُوَّةٍ رَامِيَةٍ لَا بِحَدِّهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا) قَالَ عِيَاضٌ: الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ وَهِيَ لُغَةٌ، وَالْأَشْهَرُ بِكَسْرِ الْكَافِ بِغَيْرِ هَمْزٍ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا تَنْكَأُ بِفَتْحِ الْكَافِ مَهْمُوزًا وَرُوِيَ لَا تَنْكِي بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ نَكَأَتْ الْقُرْحَةُ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ فَإِنَّهُ مِنْ النِّكَايَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْعَيْنِ: نَكَأَهُ لُغَةٌ فِي نَكَيْتَ، فَعَلَى هَذَا تَتَوَجَّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْأَذَى. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: نَكَى الْعَدُوَّ نِكَايَةً: أَصَابَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: نَكَأْتُ الْعَدُوَّ أَنْكَؤُهُمْ: لُغَةً فِي نَكَيْتُهُمْ، فَظَهَرَ أَنَّ الرِّوَايَةَ صَحِيحَةٌ وَلَا مَعْنَى لِتَخْطِئَتِهَا. وَأَغْرَبَ ابْنُ التِّينِ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي بِالْهَمْزِ أَصْلًا بَلْ شَرَحَهُ عَلَى الَّتِي بِكَسْرِ الْكَافِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، ثُمَّ قَالَ: وَنَكَأَتْ الْقُرْحَةُ بِالْهَمْزِ قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ) أَيْ الرَّمْيَةَ، وَأَطْلَقَ السِّنَّ لِيَشْمَلَ سِنَّ الْمَرْمَى وَغَيْرَهُ مِنْ آدَمِيٍّ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ وَأَطْلَقَ الْعَيْنَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي السِّنِّ. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ حَقِّهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الْعُصْفُورِ وَمَا شَاكَلَهُ لِمُجَرَّدِ الْعَبَثِ وَعَلَى غَيْرِ الْهَيْئَهِ الْمَذْكُورَةِ، وَلِأَنَّ تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ. قَوْلُهُ: (فَخَزَقْتَ فَكُلْ) فِيهِ أَنَّ الْخَزْقَ شَرْطُ الْحِلِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمِعْرَاضِ.
نيل الأوطار ،ج:7، 156ـ157.