[بَاب النَّهْيِ عَنْ تَخْلِيلِ الْخَمْرِ]
حَدِيثُ أَنَسٍ الْأَوَّلُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَحَدِيثُهُ الثَّانِي عَزَاهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ إلَى مُسْلِمٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَرِجَالٌ إسْنَادِهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد ثِقَاتٌ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَقَالَ: الثَّانِيَةُ أَصَحُّ. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ كَمَا فِي الْكِتَابِ. قَوْلُهُ: (قَالَ لَا) فِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ وَلَا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ هَذَا إذَا خَلَّلَهَا بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهَا، أَمَّا إذَا كَانَ التَّخْلِيلُ بِالنَّقْلِ مِنْ الشَّمْسِ إلَى الظِّلِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَأَصَحُّ وَجْهٍ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَحِلُّ وَتَطْهُرُ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: تَطْهُرُ إذَا خُلِّلَتْ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا. وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ، فَلَوْ خَلَّلَهَا عَصَى وَطَهُرَتْ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَيْفَ يَصِحُّ لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ بِالتَّخْلِيلِ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعَ سَبَبِهِ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ إذْ لَوْ كَانَ جَائِزًا لَكَانَ قَدْ ضَيَّعَ عَلَى الْأَيْتَامِ مَالَهُمْ، وَلَوَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَرَاقَهَا عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَبُو طَلْحَةَ قَوْلُهُ: (أَهْرِقْهَا) بِسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ. فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَا تُمْلَكُ بَلْ يَجِبُ إرَاقَتُهَا فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِالْإِرَاقَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تُمْلَكُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: عِنْدِي خُمُورٌ لِأَيْتَامٍ، فَقَالَ: أَرِقْهَا، قَالَ: أَلَا أُخَلِّلُهَا؟ قَالَ: لَا» .
نيل الأوطار،ج:8،ص:216.