وهؤلاء قد يقولون كما يقول صاحب الفصوص ابن عربي: إنهم يأخذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول، وذلك أنهم اعتقدوا عقيدة المتفلسفة، ثم أخرجوها في قالب المكاشفة، وذلك أن المتفلسفة الذين قالوا: إن الأفلاك قديمة أزلية، لها علة تتشبه بها، كما يقوله أرسطو وأتباعه: أولها موجب بذاته، كما يقوله متأخروهم، كابن سينا، وأمثاله، ولايقولون: إنها لرب خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ولا خلق الأشياء بمشيئته وقدرته، ولا يعلم الجزيئات، بل إما أن ينكروا علمه مطلقا، كقول أرسطو، أو يقولوا: إنما يعلم في الأمور المتغيرة كلياتها، كما يقول ابن سينا،وحقيقة هذا القول، إنكار علمه بها، فان كل موجود في الخارج فهو معين جزئي الافلاك، كل معين منها جزئي، وكذلك جميع الأعيان وصفاتها وأفعالها، فمن لم يعلم إلا الكليات، لم يعلم شيئا من الموجودات والكليات إنما توجد كليات في الأذهان، لا في الأعيان.
والكلام على هؤلاء مبسوط في موضع آخر، في رد تعارض العقل والنقل وغيره، فإن كفر هؤلاء أعظم من كفر اليهود والنصارى، بل ومشركي العرب، فإن جميع هؤلاء يقولون: إن الله خلق السماوات والأرض وإنه خلق المخلوقات بمشيئته وقدرته.
وأرسطو ونحو من المتفلسفة واليونان، كانوا يعبدون الكواكب والأصنام، وهم لا يعرفون الملائكة والانبياء، وليس في كتب أرسطو ذكر شيء من ذلك، وإنما غالب علوم القوم الأمور الطبيعية.