[فَصْلٌ الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ أَوْ الْأَحْجَارِ]
(٢٠٦) فَصْلٌ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَوْ الْأَحْجَارِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا أَنْكَرَا الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا النِّسَاءُ، وَقَالَ عَطَاءٌ غَسْلُ الدُّبُرُ مُحْدَثٌ. وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ ثُمَّ فَعَلَهُ، وَقَالَ لِنَافِعٍ: جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ صَالِحًا. وَهُوَ مَذْهَبُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّهَا قَالَتْ: مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ؛ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: ١٠٨] قَالَ: كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحَلَّ، وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى مَحَلٍّ آخَرَ.
وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحَلَّ، وَيُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ، وَهُوَ أَبْلُغُ فِي التَّنْظِيفِ. وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ أَجْزَأَهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَجْمِرَ بِالْحَجَرِ، ثُمَّ يُتْبِعَهُ الْمَاءَ. قَالَ أَحْمَدُ: إنْ جَمَعَهُمَا فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يُتْبِعْنَ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ مِنْ أَثَرِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ؛ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ، كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ.» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَرَ يُزِيلُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَلَا تُصِيبُهَا يَدُهُ، ثُمَّ يَأْتِي بِالْمَاءِ فَيُطَهِّرُ الْمَحَلَّ، فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي التَّنْظِيفِ وَأَحْسَنَ.
المغني ،ج:1،ص:112ـ113.