فَصْلٌ: وَلَا يَسْتَجْمِرُ بِيَمِينِهِ، لِقَوْلِ سَلْمَانَ فِي حَدِيثِهِ: «إنَّهُ لَيَنْهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ، رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي مِنْ غَائِطٍ أَخَذَ الْحَجَرَ بِشِمَالِهِ فَمَسَحَ بِهِ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي مِنْ الْبَوْلِ، وَكَانَ الْحَجَرُ كَبِيرًا، أَخَذَ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ فَمَسَحَ بِهِ. وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَضَعَهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ، أَوْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَيَمْسَحُ ذَكَرَهُ عَلَيْهِ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ، أَمْسَكَهُ بِيَمِينِهِ، وَمَسَحَ بِيَسَارِهِ؛ لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ. وَقِيلَ: يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَيَمْسَحُ بِشِمَالِهِ؛ لِيَكُونَ الْمَسْحُ بِغَيْرِ الْيَمِينِ.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» . وَإِذَا أَمْسَكَ الْحَجَرَ بِالْيَمِينِ، وَمَسَحَ الذَّكَرَ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ مَاسِحًا بِالْيَمِينِ، وَلَا مُمْسِكًا لِلذَّكَرِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُسْرَى، أَوْ بِهَا مَرَضٌ، اسْتَجْمَرَ بِيَمِينِهِ؛ لِلْحَاجَةِ. وَلَا يُكْرَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهَا فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ. وَإِنْ اسْتَجْمَرَ بِيَمِينِهِ مَعَ الْغِنَى عَنْهُ، أَجْزَأَهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَمْ يُفِدْ مَقْصُودَهُ، كَمَا لَوْ اسْتَنْجَى بِالرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ، فَإِنَّ النَّهْيَ يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّوْثَ آلَةُ الِاسْتِجْمَارِ الْمُبَاشِرَةُ لِلْمَحَلِّ الْمُلَاقِي لِلْمَحَلِّ، فَصَارَ النَّهْيُ عَنْهَا نَهْيَ تَأْدِيبٍ، لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ.
المغني لابن قدامة ،ج:1،ص:114ـ115.