وَفِي هَذَا الشَّهْر سفر الْحجَّاج إِلَى آداء فَرِيضَة الْحَج، إِلَّا أَنهم يركبون قبل سفرهم إِثْمًا ومنكراً قبيحاً، وَذَلِكَ بِسَبَب ازدحام نِسَائِهِم وبناتهم وَبَنَات جيرانهم بِالرِّجَالِ على القطار وَرفع أصواتهن جَمِيعًا بِالْغنَاءِ غناء الْحجَّاج وَهَذَا مَذْمُوم من وُجُوه.
الأول: أَن شريعتنا المطهرة تأبى للْمَرْأَة أَن ترفع صَوتهَا بَين الرِّجَال، لِأَن صَوتهَا عَورَة وفتنة، وَلذَا منعت من التأذين وَحَتَّى من التَّلَفُّظ: بسبحان الله خلف الإِمَام بل جَاءَ فِي الحَدِيث " إِنَّمَا جعل التصفيق للنِّسَاء ". الثَّانِي: أَن أَكثر نسَاء زَمَاننَا لَا يخْرجن إِلَّا متزينات متعطرات، وَفِي الحَدِيث " أَيّمَا امْرَأَة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا رِيحهَا فَهِيَ زَانِيَة " رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيره.
الثَّالِث: أَن الْغيرَة الإسلامية تأبى خُرُوج الْمَرْأَة إِلَى المجتمعات وأماكن الازدحام، وَلذَا كَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَقُول: " أَلا تستحيون؟ أَلا تغارون؟ يتْرك أحدكُم امْرَأَته تخرج بَين الرِّجَال تنظر إِلَيْهِم وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا " وَلما دخل الْأَعْمَى على زوجيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَمرهمَا بالاحتجاب مِنْهُ فَقَالَتَا: إِنَّه أعمى لَا يُبصرنَا فَقَالَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أفعمياوان أَنْتُمَا؟ ألستما تبصرانه؟ " وَذكره ابْن كثير فِي تَفْسِير آيَة {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} عَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ.
الرَّابِع: كَيفَ يقبل رجل عِنْده بعض غيرَة إسلامية على زَوجته أَو ابْنَته أَن تقف بَين مئات بل أُلُوف من الرِّجَال ينظرُونَ إِلَيْهَا وَتنظر إِلَيْهِم ويتزاحمون ويتغنون (بخذ أمك فِي طولك تنكتب حجتك) و (بياهنا اللي انوعد) إِنَّه لَا يقبل هَذَا على نَفسه وَأَهله إِلَّا كل حمَار جَاهِل بِدِينِهِ لم يذقْ لَهُ طعما إِذْ لَو ذاق طعمه لعرف كَيفَ يغار على أَهله، وَورد " لِأَن يطعن فِي رَأس أحدكُم بمخيط من حَدِيد خير لَهُ من أَن يمس امْرَأَة لَا تحل لَهُ " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ.
فيا أَيهَا الْحَاج امْنَعْ نِسَاءَك عَن الْخُرُوج من بُيُوتهنَّ، واقرأ عَلَيْهِنَّ قَول الله {وَقرن فِي بيوتكن وَلَا تبرجن تبرج الْجَاهِلِيَّة الأولى} واتل عَلَيْهِم قَول نبيك ( [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) " الْمَرْأَة عَورَة فَإِذا خرجت من بَيتهَا استشرفها الشَّيْطَان، وَأقرب مَا تكون الْمَرْأَة من الله تَعَالَى إِذا كَانَت فِي بَيتهَا " ذكره فِي الزواجر وَابْن كثير عَن الْبَزَّار وَالتِّرْمِذِيّ
كتاب السنن والمبتدعات، ص: 164.