مَسْأَلَةٌ: مَرَّور بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي

مَسْأَلَةٌ: مَرَّور بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي

اللفظ / العبارة' مَسْأَلَةٌ: مَرَّور بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

[مَسْأَلَةٌ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَلْيَرْدُدْهُ]

(١٢١٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَلْيَرْدُدْهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ لَمْ يَمُرّ أَحَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لِمَا رَوَى أَبُو جَهْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرّ بَيْنَ يَدَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمِ: «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» . وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي شَيْطَانًا، وَأَمَرَ بِرَدِّهِ وَمُقَاتَلَتِهِ. وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْن نِمْرَانِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا بِتَبُوك مُقْعَدًا، فَقَالَ: «مَرَرْت بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اقْطَعْ أَثَرَهُ فَمَا مَشَيْت عَلَيْهَا بَعْدُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «قَطَعَ صَلَاتَنَا، قَطَعَ اللَّهُ أَثَرَهُ» .

وَإِنْ أَرَادَ أَحَدٌ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَلَهُ مَنَعَهُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَسَالِم. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلَفْظُ رِوَايَتِهِ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلِيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» .

وَمَعْنَاهُ: أَيْ لِيَدْفَعْهُ. وَهَذَا فِي أُولِي الْأَمْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى دَفْعِهِ، فَإِنْ أَبَى، وَلَجَّ، فَلِيُقَاتِلْهُ، أَيْ يُعَنِّفْهُ فِي دَفْعِهِ مِنْ الْمُرُورِ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ، أَيْ فِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ، أَوْ الشَّيْطَانُ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَنَّ مَعَهُ شَيْطَانًا. وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ الْمَارَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي إذَا لَجَّ فِي الْمُرُورِ، وَأَبَى الرُّجُوعَ، أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ، وَيَجْتَهِدُ فِي رَدِّهِ، مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى إفْسَادِ صَلَاتِهِ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَدْرَأُ مَا اسْتَطَاعَ، وَأَكْرَهُ الْقِتَالَ فِي الصَّلَاةِ.

وَذَلِكَ لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَفَسَادِ الصَّلَاةِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِرَدِّهِ وَدَفْعِهِ حِفْظًا لِلصَّلَاةِ عَمَّا يَنْقُصُهَا، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَا يُفْسِدُهَا وَيَقْطَعُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُحْمَلُ لَفْظُ الْمُقَاتَلَةِ عَلَى دَفْعٍ أَبْلَغَ مِنْ الدَّفْعِ الْأَوَّلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ؛ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ. فَقَالَ بِيَدِهِ، فَرَجَعَ، فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَمَضَتْ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: هُنَّ أَغْلَبُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْتَهِدْ فِي الدَّفْعِ. فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ، وَإِنْسَانٍ وَبَهِيمَةٍ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ رَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ وَزَيْنَبَ وَهُمَا صَغِيرَانِ، وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى إلَى جُدُرٍ، فَاِتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ، فَجَاءَتْ بَهِيمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يَدْرَأُ بِهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِلْدِ، فَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ.

(١٢٢١) فَصْلٌ: فَإِنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ إنْسَانٌ فَعَبَرَ، لَمْ يُسْتَحَبَّ رَدُّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّهُ يَرُدُّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، وَفَعَلَهُ سَالِمٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِرَدِّهِ، فَتَنَاوَلَ الْعَابِرَ.

المغني ،ج:2،ص:180ـ181.

Loading...