في بيان بعض البدع المتعلقة بالحج.

في بيان بعض البدع المتعلقة بالحج.

اللفظ / العبارة' في بيان بعض البدع المتعلقة بالحج.
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي بدعة
القسم المناهي العملية
Content

مُنكرَات وبدع الْحَج

قَالَ الإِمَام ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه " نقد الْعلم وَالْعُلَمَاء،: قد يسْقط الْإِنْسَان الْفَرْض بِالْحَجِّ مرّة ثمَّ يعود لَا عَن رضَا الْوَالِدين وَهَذَا خطأ. وَرُبمَا حج وَعَلِيهِ دُيُون أَو مظالم، وَرُبمَا خرج للنزهة، وَرُبمَا حج بِمَال فِيهِ شُبْهَة، وَمِنْهُم من يحب أَن يتلَقَّى وَيُقَال لَهُ: الْحَاج، وجمهورهم يضيع فِي الطَّرِيق فَرَائض من الطَّهَارَة وَالصَّلَاة، ويجتمعون حول الْكَعْبَة بقلوب دنسة وبواطن غير نقية، وإبليس يُرِيهم صُورَة الْحَج فيغرهم، وَإِنَّمَا المُرَاد من الْحَج الْقرب بالقلوب لَا بالأبدان وَإِنَّمَا يكون ذَلِك مَعَ الْقيام بالتقوى، وَكم من قَاصد إِلَى مَكَّة همته عدد حجاته فَيَقُول: لي عشرُون وَقْفَة، وَكم من مجاور قد طَال مكثه وَلم يشرع فِي تنقية بَاطِنه، وَرُبمَا كَانَت همته مُتَعَلقَة بفتوح يصل إِلَيْهِ مِمَّن كَانَ، وَرُبمَا قَالَ: إِن لي الْيَوْم عشْرين سنة مجاوراً، وَكم قد رَأَيْت فِي طَرِيق مَكَّة من قَاصد إِلَى الْحَج يضْرب رفقاءه على المَاء ويضايقهم فِي الطَّرِيق، وَقد لبس إِبْلِيس على جمَاعَة من القاصدين إِلَى مَكَّة، فهم يضيعون الصَّلَوَات، ويطففون إِذا باعوا، ويظنون أَن الْحَج يدْفع عَنْهُم، وَقد لبس إِبْلِيس على قوم مِنْهُم فابتدعوا من الْمَنَاسِك مَا لَيْسَ مِنْهَا، فَرَأَيْت جمَاعَة يتصنعون فِي إحرامهم فيكشفون عَن كتف وَاحِدَة، ويبقون فِي الشَّمْس أَيَّامًا فتكشط جُلُودهمْ وتنتفح رُءُوسهم، ويتزينون بَين النَّاس بذلك. وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: " أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] رأى رجلا يطوف بِالْكَعْبَةِ بزمام فَقَطعه " وَفِي لفظ آخر: " رأى رجلا يَقُود إنْسَانا بخزامة فِي أَنفه فقطعها بِيَدِهِ، ثمَّ أمره أَن يَقُود بِيَدِهِ " قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث يتَضَمَّن النَّهْي عَن الابتداع فِي الدّين، وَإِن قصد بذلك الطَّاعَة، ثمَّ قَالَ: وَقد لبس على قوم يدعونَ التَّوَكُّل فَخَرجُوا بِلَا زَاد، وظنوا أَن هَذَا هُوَ التَّوَكُّل وهم على غَايَة الْخَطَأ قَالَ رجل للْإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ: أُرِيد أَن أخرج إِلَى مَكَّة على التَّوَكُّل من غير زَاد، فَقَالَ لَهُ أَحْمد: فَاخْرُج فِي غير الْقَافِلَة، قَالَ: لَا إِلَّا مَعَهم. قَالَ: فعلى جراب النَّاس توكلت. فنسأل الله أَن يوفقنا أه.

وَمن الْبدع: التمسح بجدران الْكَعْبَة كلهَا، لِأَن الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] ) لم يَفْعَله وَإِنَّمَا كَانَ يمس الرُّكْن الْيَمَانِيّ، وَيقبل الْحجر الْأسود، وَكَذَا كِتَابَة أسمائهم على عمدان حيطان الْكَعْبَة، وتوصيتهم بَعضهم بذلك بِدعَة وَجَهل، واهتمامهم بزمزمة لحاهم وزمزمة مَا مَعَهم من النُّقُود وَالثيَاب لتحصل لَهَا الْبركَة، وَنقل مَاء زَمْزَم إِلَى بِلَادهمْ، كل هَذِه بدع لم تشرع وَلَا خير فِيهَا، وَلَا بركَة، وَمِنْهُم من يعْتَقد أَن من تَمام الْحَج تقديس حجه بزيارة قبر الْخَلِيل، وَإِلَّا فحجه نَاقص أَو غير صَحِيح، وَهَذَا جهل واعتقاد فَاسد، لِأَن الْحَج عبَادَة مُسْتَقلَّة لَا تعلق لَهُ بِغَيْرِهِ. وَأما زِيَارَة بَيت الْمُقَدّس فَسنة مُسْتَحبَّة، لِأَن الصَّلَاة فِيهِ تعدل خَمْسمِائَة صَلَاة.

وَحَدِيث " من زارني وزار أبي إِبْرَاهِيم فِي عَام ضمنت لَهُ على الله الْجنَّة " بَاطِل مَوْضُوع، كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ وَابْن تَيْمِية وَغَيرهمَا. وتبييض بَيت الْحَاج بالبياض والجير، ونقشه بالصور وَكِتَابَة اسْم وتاريخ الْحَاج عَلَيْهِ بِدعَة ضَلَالَة، وتظاهر ورياء وجهالة وغفلة من الْمَشْرُوع، وعدول عَنهُ إِلَى المبتدع المذموم الْمَمْنُوع، وَكَذَا إقامتهم السرادقات - الصواوين - وذبحهم الذَّبَائِح، وتفريقهم للشربات والسجاير على القادمين وملاقاة الْحَاج بالبيارق والباز أَو الطبول، واجتماع النِّسَاء للزغاريد، واستحضار الْفُقَرَاء للذّكر بالتنطيط، أَو الراقصات للرقص والشخلعة، كل هَذَا وَغَيره مِمَّا لَا يَلِيق حُصُوله من مُسلم شم رَائِحَة الشَّرِيعَة الإسلامية، بل هَذَا إِذا رَآهُ الْأَجَانِب أَعدَاء الْإِسْلَام استهزءوا بِنَا، وَعرفُوا أَن هَذَا الدّين كُله سخرية وهذيان وَلَهو وَلعب.

إِنَّنِي أَقُول وَالْحق أَقُول: مَا من عبَادَة، وَمَا من ركن، وَلَا سنة إِلَّا وَقد دخل عَلَيْهَا من الْجَهْل والبدع والخرافات مَا أفسدها وشوهها، وَلَا لوم أصلا على أحد من أهل الأَرْض جَمِيعًا سوى الْعلمَاء فَإِنَّهُم أَعرضُوا عَن الْأَمر وَالنَّهْي كل الْإِعْرَاض، بل قَامُوا فِي وُجُوه الآمرين الناهين، فَأَصْبحُوا هم أكبر صَاد للنَّاس عَن سَبِيل الله (فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون).

كتاب السنن والمبتدعات ص 170 إلى 172.

Loading...