فَلم يلبث إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى قتل شَرّ قتلة وصلب رَأسه على قصره فنعوذ بِاللَّه.
وَهَذَا فعل مَذْمُوم جدا يجب تَركه ومحاربته، وَكَذَا قَوْلهم: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يحزن ويتألم من قِرَاءَة سُورَة {تبت يدا أبي لَهب} لأجل عَمه فَلَا تقْرَأ وَلَا يُصَلِّي بهَا، وَكَيف ذَلِك وَقد أنزل الله {لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} الْآيَة، واعتقادهم أَن من حلف على الْمُصحف يصاب بالعمى والكساح هُوَ من خرافاتهم وجهالاتهم المضحكة، وَإِنَّمَا هُوَ يَمِين يكفر عَنْهَا إِن رأى أَن غَيرهَا خير مِنْهَا على بعض الْمذَاهب، وَإِلَّا فَهُوَ يَمِين غموس أَي يغمس صَاحبه فِي النَّار، وقراءتهم سُورَة يس أَرْبَعِينَ مرّة بدعائها المخترع الْمُحدث لإهلاك شخص، أَو فك مسجون، أَو قَضَاء حَاجَة، جهل أَيْضا وَبعد عَن اتِّبَاع الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة.
وَحَدِيث " يس لما قُرِئت لَهُ " قَالَ الْحَافِظ السخاوي: لَا أصل لَهُ، وَكَذَا حَدِيث " خُذ من الْقُرْآن مَا شِئْت لما شِئْت " فتشت " عَنهُ كثيرا فِي الْكتب فَلم أجد لَهُ أصلا، وَفِي آخر تَفْسِير سُورَة يس من الْبَيْضَاوِيّ والنسفي أَحَادِيث مَوْضُوعَة فِي فَضلهَا فَيَنْبَغِي أَن لَا يعول عَلَيْهَا، وَجمع آي سَجدَات الْقُرْآن وَالسُّجُود عِنْد كل آيَة بِدعَة تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا، وَجمع تهليلات الْقُرْآن كَمَا فِي حزب البيومي ابتداع فِي الدّين واختراع لَا يرضى، وَقِرَاءَة النِّسَاء الْقُرْآن على الرِّجَال فِي المحافل وَغَيرهَا مَمْنُوع شرعا، وَقد قَالَ الرَّسُول[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]" إِذا نابتكم نائبة فِي صَلَاتكُمْ فَسَبحُوا إِنَّمَا جعل التصفيق للنِّسَاء "كَذَا فِي الصَّحِيح؛ أينهاهن الرَّسُول[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]عَن التَّلَفُّظ بسبحان الله فِي الصَّلَاة ونجلسهن بَيْننَا للتغني بِالْقُرْآنِ على مقْعد خَاص فِي محافل الرِّجَال؟{إِن هَذَا لشَيْء عُجاب}وَكتب آيَات السَّلَام ك{سَلام على نوح فِي الْعَالمين}بِدعَة ضَلَالَة أَيْضا.
وجعلهم الْمُصحف حِجَابا يعلقونه على أنفسهم، وعَلى مَوَاشِيهمْ جهل شنيع وبدعة، وَحمل النِّسَاء لَهُ أَيَّام حيضهن، ونفاسهن، وَوقت جنابتهن، ضلال كَبِير، وامتهان لكتاب الله الْقَدِير، وَخبر نزُول دم عُثْمَان عِنْد قَتله على كتاب الله على لفظ {فَسَيَكْفِيكَهُم الله وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} بَاطِل لَا أصل لَهُ، كَمَا فِي أَسْنَى المطالب، وَحَدِيث شمهورش قَاضِي الْجِنّ الَّذِي فِيهِ حَدثنِي سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " حَدثنِي جِبْرِيل قَالَ: حَدثنِي إسْرَافيل عَن رب الْعِزَّة أَن من قَرَأَ سُورَة الْفَاتِحَة فِي نفس وَاحِد لقَضَاء حَاجَة قضيت " هَذَا بَاطِل معَارض بِمَا عرف من أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] كَانَ إِذا قَرَأَ يقف على رُؤُوس الْآي ويمدها، ثمَّ لماذا وَمَا فَائِدَة قرَاءَتهَا فِي نفس وَاحِد؟ إِن هَذَا لمن أفرى الفرى على الله وَرَسُوله وَلَو كَانَ صَحِيحا لثبت فِي الصِّحَاح وَالسّنَن؟ واشتهر على أَلْسِنَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَلم تقتصر رِوَايَته على شمهورش الجني.
وإنني لأعجب كَيفَ يروج هَذَا على عقول الْعلمَاء وَكَيف يقبلونه؟ وَكَيف يَحْفَظُونَهُ ويقرءونه على النَّاس، وَفِي مصنفاتهم يكتبونه، وَقد سَمِعت هَذَا الحَدِيث من شيخ أزهري يُقَال لَهُ: عَالم، وقرأته على ظهر كتاب لشيخ من الْمُتَأَخِّرين، فيا للأسف على فَسَاد عقول رُؤَسَاء الدّين، ورواج الأباطيل والأضاليل والترهات على من اشتهروا بَين النَّاس بِأَنَّهُم كبار الْمُسلمين، وعَلى عدم معرفتهم بَين الصَّحِيح والمكذوب على الرَّسُول الْأمين، [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم].
وَالدُّعَاء الَّذِي فِي آخر الْمَصَاحِف لَا يجوز التَّعَبُّد بِهِ قطعا، بل هُوَ مَذْمُوم وممنوع شرعا، لِأَنَّهُ مخترع وَلَيْسَ مأثوراً، بل كُله بدع ضلالات، وتوسلات مَوْضُوعَات، فَلَا تحل قِرَاءَته، بل وَلَا كِتَابَته فِي آخر الْمَصَاحِف، وَالْقُرْآن وَالسّنة كافيان شافيان، قَالَ الله تَعَالَى مسفها وعائبا أَحْلَام من لم يكتفوا بِكِتَاب الله {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب يُتْلَى عَلَيْهِم إِن فِي ذَلِك لرحمة وذكرى لقوم يُؤمنُونَ} ، وَفِي الحَدِيث " كفى بِقوم ضَلَالَة أَن يتبعوا كتابا غير كتاب نَبِيّهم أنزل على نَبِي غير نَبِيّهم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله.
فَكيف بكم وَقد أَصبَحت جلّ عباداتكم لَا هِيَ عَن نَبِي من أَنْبيَاء الله الْمُتَقَدِّمين، وَلَا هِيَ عَن نَبِيكُم مُحَمَّد [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَلَا عَن أَصْحَابه، بل أوحى بهَا الشَّيْطَان على بعض المتعالمين؟ فحذار من التَّعَبُّد بِمَا لم ينزل على نَبِيكُم وَلَا فعله أَصْحَاب نَبِيكُم، إِذا المتعبد بِهِ بدعي، جَاهِل غبي.
وَمن هُنَا عَم فِينَا الْجَهْل وطم، وَسَاءَتْ أَخْلَاقنَا، وسفهت أَحْلَامنَا، وقست قُلُوبنَا {فَهِيَ كالحجارة أَو أَشد قسوة} وَعصى الله وَرَسُوله جهاراً، وبعدنا عَن كل فَضِيلَة، ووقعنا فِي كل رذيلة، حَتَّى صرنا أذلّ وأحقر الْأُمَم بعد أَن كَانَت الْعِزَّة وَالسُّلْطَان لنا، وكل هَذَا بِسَبَب هجرنا وبعدنا عَن تعاليم الْقُرْآن السامية وَعدم اعتناقنا لأوامره ونواهيه، وإعراضنا عَن فهمه وتدبر مَعَانِيه، قَالَ تَعَالَى{وَمن أعرض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا}، وَقَوله:{وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا فَهُوَ لَهُ قرين}، وَقَوله:{وَمن يعرض عَن ذكر ربه يسلكه عذَابا صعدا}، وَقَوله:{وَمن أظلم مِمَّن ذكر بآيَات ربه فَأَعْرض عَنْهَا وَنسي مَا قدمت يَدَاهُ}.
واعتقادهم كفر من غلط، أَو لحن فِي قِرَاءَة سُورَة الْكَافرين اعْتِقَاد بَاطِل فظيع شنيع، وَمَتى يتَعَلَّم الْإِنْسَان دينه، وَكتاب ربه، إِذا كَانَ بغلطة ينزل عَلَيْهِ وعَلى أهل بلدته المقت وَالْغَضَب، وبلحنة يكفر وَيخرج من الدّين؟ ؟ نَعُوذ بِاللَّه من ضلال المضلين، وَمن الشَّيْطَان الرَّجِيم، لما علم الشَّيْطَان عظم أجر هَذِه السُّورَة ألْقى هَذَا بَين النَّاس.
فقد روى الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم أَنه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " {قل هُوَ الله أحد} تعدل ثلث الْقُرْآن، و {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} تعدل ربع الْقُرْآن " حَدِيث صَحِيح، كَمَا فِي الْجَامِع، وَقد تقدم فِي الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ أَن " الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن ويتعتع فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ "، وَورد " من قَرَأَ الْقُرْآن فأعربه، فَلهُ بِكُل حرف مِنْهُ عشر حَسَنَات، وَمن قَرَأَهُ ولحن فِيهِ، فَلهُ بِكُل حرف حَسَنَة " وَصَححهُ ابْن قدامَة، وَكتاب " الدّرّ النظيم فِي خَواص الْقُرْآن الْعَظِيم " لَا تجوز قِرَاءَته، وَلَا الْعَمَل بِمَا فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ جملَة نافعة، وَلَا فَائِدَة صَادِقَة، بل كل فَوَائده وجمله كَاذِبَة خاطئة. وَمثله " كتاب الْفَوَائِد فِي الصلات والعوائد " إِلَّا أَن هَذَا خلط، فَجمع بَعْضًا من الصَّحِيح، والضعيف، وبقيته أكاذيب وخرافات وأباطيل، وترهات، وأضاليل، وتمويهات، أعاذ الله مِنْهَا الْمُسلمين وَالْمُسلمَات.
وَقَوْلهمْ لقارئ الْقُرْآن السيط: الله الله، كمان، كَمَا يَا أستاذ، هيه هيه الله يفتح عَلَيْك - حرمه الله بقول:{وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا لَعَلَّكُمْ ترحمون}، وَالْحق أَنهم لم يلتذوا بِأَلْفَاظ الْقُرْآن، لأَنهم لم يفقهوا لَهَا معنى، بل مَا كَانَت لذتهم إِلَّا من حسن نَغمَة الْقَارئ. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه لَو قَرَأَ قَارِئ لَيْسَ حسن الصَّوْت، السُّورَة بِعَينهَا، الَّتِي كَانَت تتلى عَلَيْهِم لانفضوا من حوله، سابين لاعنين لَهُ، وَلمن جَاءَ بِهِ، قائلين:جايب لنا فقى حسه زِيّ حس الوابور.
وَلَقَد وصف الله الْمُؤمنِينَ من عباده بِأَنَّهُم:{إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا} ، وَقَالَ فيهم أَيْضا:{تقشعر مِنْهُ جُلُود الَّذين يَخْشونَ رَبهم ثمَّ تلين جُلُودهمْ وَقُلُوبهمْ إِلَى ذكر الله ذَلِك هدى الله يهدي بِهِ من يَشَاء وَمن يضلل الله فَمَا لَهُ من هاد} .